اقتصاد

عبدالسلام النابلسي.. الساخر بالحياة والمحب لها (بروفايل)


في ذكراه، يقف عبد السلام النابلسي كواحد من أكثر الشخصيات تميزًا في عالم السينما المصرية.

كان هذا الفنان مدرسة فنية متفردة، جمعت بين الموهبة الفطرية والتكوين الثقافي العميق.

وُلِد النابلسي في لبنان عام 1899، وبدأ حياته كصحفي قبل أن يجد شغفه الحقيقي في عالم التمثيل. انطلق إلى مصر في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، حيث لمع نجمه سريعًا بفضل أسلوبه الخاص في الأداء.

بساطة الروح والتعبير

عبد السلام النابلسي لم يكن مجرد ممثل كوميدي تقليدي. كان يجمع بين السخرية الراقية والإلقاء الشعري، مقدِّمًا أداءً ينبض بالحياة. كان يعتمد في تمثيله على ذكاء الحوار وسرعة البديهة، مع لمسات من الرقي والبساطة التي جعلته قريبًا من قلوب الجماهير. لم يكن النابلسي بحاجة إلى حركات زائدة أو ضجيج ليصل إلى الجمهور؛ بل كان كافيًا أن ينطق بكلمة واحدة لتترك أثرًا بالغًا.

الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي

علاقة النابلسي بإسماعيل ياسين

في تلك الفترة، كانت هناك أسماء لامعة في عالم الكوميديا، لكن النابلسي برز بجانب عملاق الكوميديا إسماعيل ياسين، وشكّلا ثنائيا لا يُنسى. كانت العلاقة بينهما قائمة على الاحترام المتبادل والمحبة، رغم الفوارق الكبيرة في أسلوب التمثيل. إسماعيل ياسين كان يعتمد على المبالغة في الأداء والتعبير الجسدي، في حين كان النابلسي يعتمد على الحوار والإلقاء. ومع ذلك، كانت الكيمياء بينهما واضحة في كل فيلم قدماه معًا.

الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي

في إحدى المرات، كانت هناك مشادة صغيرة بينهما على خلفية مشهد يتطلب من إسماعيل ياسين أن يرتجل بطريقة معينة، بينما كان النابلسي يرى أن الأمر يجب أن يُقدّم بطريقة أخرى. ولكن تلك المشادة سرعان ما تحولت إلى مزحة، حيث انتهى الأمر بالنابلسي وهو يقلّد إسماعيل بطريقة فكاهية جعلت الجميع يضحك، حتى إسماعيل نفسه.

فتى أول في الدور الثاني

رغم تألقه في الأدوار المساندة، كان حلم البطولة المطلقة يراود النابلسي. حاول في منتصف الخمسينيات أن يحصل على أدوار البطولة في عدة أفلام، لكنه لم ينجح في تحقيق نفس النجاح الذي حققه في الأدوار المساندة. كان الجمهور قد أحبّ صورة النابلسي التي عرفها في أدوار الرجل الثاني أو الصديق الذكي، ولم يكن مستعدًا لرؤيته في قالب مختلف. هذه التجربة جعلت النابلسي يدرك أن نجاحه الحقيقي يكمن في تلك المساحة التي صنعها لنفسه، فواصل تقديم أدواره المميزة دون محاولة تغيير مساره.

الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي

عاش بعيدا عن الالتزامات 

على الرغم من أنه كان يتمتع بشخصية محبوبة وحضور ساحر على الشاشة، إلا أن حياته العاطفية كانت معقدة. ترددت العديد من الأقاويل حول علاقاته الغرامية، لكنه لم يتزوج أبدًا. يُقال إن النابلسي كان يخشى من فكرة الالتزام العائلي، ربما بسبب حياته الفنية المزدحمة أو ربما لاعتقاده بأن الزواج قد يؤثر على مسيرته المهنية. كان يعتبر أن حياته الخاصة هي ملك له وحده، وأن الفن هو حبه الحقيقي.

في إحدى المرات، اعترف لأحد أصدقائه المقربين بأنه كان في حالة حب قوية مع إحدى الفنانات، لكن ذلك الحب لم يكتمل بسبب خلافات لم يُفصح عنها. ربما كان هذا الحادث هو ما جعله يقرر الابتعاد عن الزواج والعلاقات الجادة، مفضلاً أن يبقى حرًا طليقًا يعبّر عن مشاعره من خلال أدواره.

الفنان الراحل عبدالسلام النابلسي

مدرسة النابلسي الفنية 

إذا تحدثنا عن تأثير عبد السلام النابلسي على السينما، فلا يمكننا أن نغفل كيف كان مدرسة فنية قائمة بذاتها. علّم أجيالًا من الممثلين قيمة الذكاء في الأداء، وأهمية الكلمة في نقل الشعور. كان يؤمن بأن التمثيل ليس مجرد تقليد للواقع، بل هو خلق لعالم جديد من الإحساس والتعبير.

في ذكراه، يبقى عبد السلام النابلسي رمزًا للإبداع والكوميديا الراقية. رغم مرور السنين، إلا أن أدواره لا تزال تضحكنا وتجعلنا نفكر في قيمة الكلمة والأداء. كان النابلسي فنانًا لا يُنسى، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة السينما المصرية كأحد أعمدتها الراسخة.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى