صناعة السفن والقوارب في الإمارات.. من مجد الأجداد إلى الريادة العالمية
في دولة الإمارات، لم تكن صناعة السفن مجرد مهنة، بل قصة وطن وأمجاد أجداد استمرت لتصنع مستقبلًا بحريًا واعدًا.
وبينما تحافظ دولة الإمارات العربية المتحدة على صناعتها التقليدية ككنز ثقافي، فإنها في ذات الوقت تبني صناعة حديثة قادرة على التصدير والمنافسة والتأثير إقليميًا وعالميًا، تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنويع المستدام.
التاريخ البحري
على امتداد سواحل الإمارات، نشأت صناعة السفن كحرفة توارثها الأبناء عن الأجداد، وارتبطت مباشرة بحياة البحر من صيد وغوص وتجارة.
استخدم الإماراتيون أخشابًا مثل “الساج” الهندي الذي يتميز بالصلابة والقدرة على مقاومة المياه المالحة، واعتمدوا أدوات تقليدية مثل “الجدوم” و”المجدح” و”ميزان الماء” لتشكيل السفينة بدقة عالية رغم بدائية الوسائل.
السفن الإماراتية التقليدية تنوعت في أشكالها وأحجامها، منها:
- الجالبوت: استخدم للغوص والصيد والنقل.
- السنبوك: طوله يصل إلى 60 قدمًا، وكان شائعًا في الغوص.
- الشوعي: دخل إلى الدولة في الستينات وما زال يُستخدم حتى اليوم.
- البوم: أشهر سفن التجارة البحرية، تصل حمولته إلى 750 طنًا.
- البغلة: أقدم من البوم، وتستخدم في الأسفار التجارية الكبرى.
- البتيل: منقرض، لكنه كان يتسع لنحو 80 بحارًا في رحلات الغوص.
إلى جانب القوارب الصغيرة مثل الشاحوف والماشوة والهوري، التي كانت تستخدم للتموين والنقل الساحلي، فلم يكن بناء السفن مجرد مهنة، بل كان أسلوب حياة متكاملًا ينطوي على حكمة وصبر، وقدرة على التعامل مع البحر وخيراته.
كما أسهم الملاح الإماراتي الشهير أحمد بن ماجد، المولود في جلفار (رأس الخيمة)، في إرساء قواعد علم الملاحة في المنطقة، وكان مرجعًا بحريًا عالميًا لقرون طويلة.
الإمارات تصنع المستقبل البحري
ومع تطور الدولة وتبنيها لاقتصاد معرفي وتقني، لم تكتف الإمارات بحفظ تراثها البحري، بل طوّرته ليواكب العصر.
وظهر ذلك بوضوح في معرض أبوظبي الدولي للقوارب، حيث عرضت شركات وطنية متخصصة قوارب ويخوت وزوارق فاخرة تحمل شعار “صُنع في الإمارات”، ما يعكس قفزة نوعية في مستوى الصناعة الوطنية وقدرتها على دخول الأسواق العالمية بثقة.
وقال مصبح المرر، المدير التنفيذي لشركة “ناجولا تيك” لصناعة القوارب، إن الشركة تصنع القوارب من الألف إلى الياء داخل الدولة، عبر فريق عمل إماراتي متخصص من المهندسين والفنيين.
وأشار المرر إلى أن التصنيع يتم بنسبة 100% محليًا، بما يعزز مكانة الإمارات كمركز صناعي متقدم في المنطقة، ويضيف قيمة استراتيجية للاقتصاد الوطني.
وأكد أن دعم القيادة الرشيدة للصناعات الوطنية، ضمن مشاريع الخمسين، كان له دور كبير في تمكين الشركات الإماراتية من الابتكار والمنافسة، موضحًا أن الدولة اليوم باتت بيئة حاضنة للنمو الصناعي والاستثماري، ووجهة عالمية لجودة الحياة والتنمية الاقتصادية.
التقنيات الذكية في الصناعة البحرية
من جهته، قال فارس المقطري، مدير إدارة تطوير الأعمال في شركة أبوظبي لبناء السفن، إن الشركة تعرض في المعرض قارب “البيت العائم 24-A”، المصمم لتلبية استخدامات سكنية أو تجارية أو حتى عسكرية.
وأوضح المقطري أن طول القارب يبلغ 24 متراً، وصنع باستخدام أحدث مواد وتقنيات البناء، إلى جانب دمج خصائص “البيت الذكي”، بما يوفر تجربة معيشية متكاملة على سطح الماء.
وأضاف أن القارب يلتزم بكافة المعايير والأنظمة العالمية للملاحة والسلامة البحرية، ويؤكد التزام الشركة بتقديم حلول مبتكرة تلبي احتياجات السوقين المدني والأمني.
من سواحل أبوظبي إلى العالم
أما عبدالله خليل، المدير العام لمصنع “القمزي مارين”، فقد أوضح أن المصنع يُنتج أربعة أنواع من القوارب بأطوال تبدأ من 12 قدماً وتصل إلى 36 قدماً، باستخدام أفضل المواد الخام، ومع الالتزام بأعلى معايير الجودة الدولية.
وأشار إلى أن القوارب المصنوعة في المصنع تحمل شعار “صُنع في الإمارات”، وقد بدأت تُصدَّر إلى دول مجلس التعاون الخليجي مثل الكويت، قطر، البحرين وسلطنة عمان، مضيفاً أن المصنع تلقى عروضاً دولية من إيطاليا، إسبانيا، وإيرلندا لعقد شراكات تسويقية وتوسيع نطاق الانتشار الخارجي.
ورغم هذا التطور الصناعي اللافت، لم تنقطع الإمارات عن تراثها البحري، فما زالت صناعة السفن الخشبية التقليدية حاضرة في المهرجانات مثل مهرجان الظفرة ورأس الخيمة البحري، إلى جانب ورش العمل التراثية التي تحافظ على فنون هذه الحرفة كما توارثها الأجداد.
وتعمل الجهات الرسمية على دعمها كجزء من التراث الوطني غير المادي، وتوثيقها للأجيال القادمة ضمن منظومة الهوية الوطنية.
ومع تكامل الدعم الحكومي، والكوادر الوطنية، والابتكار الصناعي، تُبحر الإمارات بثقة نحو ريادة جديدة في عالم الصناعة البحرية، تكمل بها فصولاً من تاريخها المجيد، وتكتب سطوراً جديدة على سطح الماء.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==
جزيرة ام اند امز