اقتصاد

قرارات متناقضة لسلطة «بورتسودان».. الاضطراب سيد الموقف


قلق كبير واستفهامات عديدة طرحها السودانيون، جراء حالة التناقضات والاضطراب الذي ظهرت به سلطة بورتسودان، في أعقاب قرارها بقطع العلاقات مع دولة الإمارات.

وكان ما يُسمى «مجلس الأمن والدفاع السوداني»، أعلن في 6 مايو/أيار الجاري، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، وسحب السفير، وغلق السفارة والقنصلية.

جاء قرار المقاطعة بعد يوم واحد من رفض محكمة العدل الدولية في لاهاي، دعوى تقدمت بها حكومة الجيش السوداني ضد دولة الإمارات. وكان قرار الرفض بأغلبية ساحقة (14 قاضيًا مقابل 2) بعدم اختصاص المحكمة، بينما صوّت 9 قضاة مقابل 7 لشطب القضية نهائيًا من سجلاته.

ويعود قرار المحكمة إلى تحفظٍ قانوني قدمته دولة الإمارات عند انضمامها لاتفاقية منع الإبادة الجماعية عام 2005، حيث استثنت نفسها صراحةً من البند التاسع الذي يسمح بإحالة النزاعات حول تفسير الاتفاقية أو تطبيقها إلى محكمة العدل الدولية.

تبرير فشل الحسم العسكري

وتزامن إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات من قبل سلطة بورتسودان، مع سلسلة من الهجمات المتتالية بواسطة طائرات مسيرة، استهدفت مواقع عسكرية واستراتيجية في مدينة بورتسودان (العاصمة الإدارية لحكومة الجيش السوداني).

ورغم أن دولة الإمارات أدانت رسمياً واستنكرت بشدة، استهداف المرافق المدنية الحيوية والبنى التحتية في منطقتي بورتسودان وكسلا شرقي السودان، واعتبرته “انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي”، بحسب بيان صادر من وزارة الخارجية الإماراتية، فإن سلطات بورتسودان واصلت توجيه اتهامات لا أساس لها لدولة الإمارات.

وكانت وزارة الخارجية الإماراتية أكدت في بيانها “موقف دولة الإمارات الراسخ والداعي إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين والمرافق والبنى التحتية المدنية، وإيجاد حل سلمي للصراع”.

موقف استنكره عدد من المراقبين واعتبروه تهرباً من قيادة الجيش السوداني وتبريراً لفشلها في إقناع الشعب السوداني بجاهزية القوات المسلحة وحلفائها، للحسم العسكري وكسب المعارك ضد قوات الدعم السريع.

دلائل

حالة الاضطراب التي بدا عليها الجيش السوداني منذ اندلاع الحرب وحتى لحظة وصولها إلى بورتسودان، كانت لها شواهد عدة؛ بينها الإبقاء على القنصلية السودانية، قبل أن يكمل قرار المقاطعة يوماً واحداً.

ذلك التخبط، اعتبره المحلل السياسي والكاتب الصحفي رئيس تحرير موقع “إدراك الإخباري”، إيهاب مادبو، تأكيدًا على أن قرار المقاطعة تم تحضيره داخل “غرف” التنظيم الإخواني، وأنه تم فرضه على قيادة الجيش السوداني المختطف.

وكانت وزارة الخارجية أعلنت في 9 مايو/أيار الجاري، أن القنصلية السودانية في دبي، ستظل مفتوحة لتقديم خدماتها للجالية السودانية، وهو ما اعتبره مادبو “تخبطا” صريحا في صناعة القرارات المصيرية الصادرة من قيادة الجيش السوداني، في ظل سيطرة الإخوان على يوميات الحرب في السودان.

وأوضح أن تنظيم الإخوان لا يهمه مصالح الجالية السودانية المرتبطة بدولة الإمارات، بقدر انشغاله بالاستمرار في الحرب، وعزل السودان وشعبه عن محيطه الإقليمي والدولي، حتى يتسنى للتنظيم السيطرة على الدولة السودانية، وبمعزل عن أي تأثيرات محتملة للدول ذات النفوذ والتي تدعو للحل السلمي التفاوضي للمسألة السودانية.

صادرات الذهب

ومن التراجع عن سحب قنصلية السودان من دبي، إلى تغريدة وزير المعادن السودانية، محمد بشير أبونمو، التي كتبها على صفحته الخاصة في «فيسبوك»، نفى فيها أي توجيه منه بإيقاف صادرات الذهب والمعادن الأخرى إلى دولة الإمارات. قائلاً: “أؤكد أن هذا الخبر عارٍ تمامًا من الصحة ومدسوس، وبصرف النظر عن موقفي الشخصي أو الرسمي، فإنني لست الجهة المختصة بإصدار مثل هذا القرار”.

نفي كان بمثابة تأكيد على تناقضات السلطة في بورتسودان، بحسب المحلل السياسي والكاتب الصحفي، إيهاب مادبو، الذي قال إن «الجهاز التنفيذي في بورتسودان، استفاق على حقيقة واحدة لا مهرب منها، بأن الإمارات دولة لا غنى عنها، لأنها باتت مركزا تجاريا عالميا مهما، وفي حال قطع العلاقات الدبلوماسية معها، سيتضرر سوق الذهب السوداني، ضرراً كبيراً، لا طاقة لسلطة بورتسودان باحتماله».

وأضاف: «من المؤكد أن هناك تياراً آخر بداخل مكونات سلطة بورتسودان، لا يرى أي منفعة من قرار قطع العلاقات مع الإمارات».

وتوقع مادبو أن تصل التناقضات داخل تحالف بورتسودان ذروتها، دون استبعاد انفجار الخلافات بين مكونات هذا التحالف «الهش» الأيام القادمة، لأنه تحالف لا يقوم على «ثوابت وطنية راسخة، إنما يتحكم فيه تنظيم إخواني لا يرى أبعد من كرسي الحكم»، على حد قوله.

الاتجاه نحو كوريا الشمالية

حالة الاضطراب لدى سلطة بورتسودان، لم تتوقف عند الجدل حول الموقف المتردد من قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات. لكن وفي «تطور غريب ومدهش»، سلكت قيادة الجيش السوداني طريقاً وعراً في دبلوماسيتها المتناقضة، فأرسلت وزير الدفاع لزيارة كوريا الشمالية، بهدف فتح نوافذ جديدة للتعاون العسكري مع بيونغ يانغ.

وأوضح مصدر عسكري -مفضلاّ حجب اسمه- لـ«العين الإخبارية»، أن التنظيم الإخواني يدفع قيادة الجيش السوداني للعب بأوراق “المناورة” مع المجتمع الدولي، لأجل الحصول على تطمينات دولية تخفف من وطأة الضغوط الممارسة على قيادته بضرورة التخلي عن جماعة التنظيم، وإيقاف الحرب فوراً.

المصدر العسكري أضاف أن التنظيم الإخواني يعتقد أن لجوء قيادات الجيش السوداني لكوريا الشمالية، سوف يربك حسابات المجتمع الدولي، ويجعله مضطراً للقبول بتسوية سياسية تحافظ على وجود التنظيم في المشهد السياسي السوداني بعد إيقاف الحرب، خوفاً من تماهي قيادة الجيش السوداني مستقبلاً مع النظام الكوري الشمالي، مما قد يشكل تهديداً جديداً لأمن القرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر.

ووصف المصدر العسكري هذه «اللعبة التي يقودها الجيش السوداني المختطف بالخطرة، والقابلة لجر الدولة السودانية نحو منزلق من الفوضى الشاملة».

لكن ما سر «العداء المتعمد» للإمارات؟

وبحسب مادبو، فإن التنظيم الإخواني «من يقف وراء حالة العداء المتعمد التي يظهرها الجيش السوداني ضد دولة الإمارات»، مشيرًا إلى أن «إخوان السودان يدركون جيداً أن دولة الإمارات على دراية تامة بحقيقة مخططاتهم في إشعال الحرب والفوضى في الدولة السودانية، بهدف الاستيلاء على السلطة وقطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي في السودان».

وأشار إلى أن «الإمارات دولة لها ثقل كبير في المحيط الدولي والإقليمي، وتعتبر عاصمة القرار العربي الآن فيما يتعلق بمناهضة الإرهاب والتصدي للمشاريع التخريبية التي يتبناها التنظيم الإخواني على وجه العموم، لهذا ينشط إخوان السودان في تحريض قيادات الجيش السوداني ضد الإمارات، لتغدو هي العدو المتخيل في العقل الشعوبي السوداني».

وزاد: لكن هيهات الشعب السوداني يدرك حقيقة الإخوان، ويُقدر الدور الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات لأجل تحقيق السلام والاستقرار في السودان.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى