تحالف استراتيجي جديد مع روسيا.. بوركينا فاسو تتجه شرقا
اعتبر خبراء سياسيون أن التقارب المتزايد بين بوركينا فاسو وروسيا يعكس تحوّلًا استراتيجيًا مدروسًا في قلب غرب أفريقيا،
يهدف إلى تحرير البلاد من التبعية الغربية وبناء شراكات أكثر واقعية وفعالية.
كما رأوا أن دعم موسكو المتنامي لواجادوجو ليس مجرد تحالف عسكري، بل شراكة متعددة الأوجه تخدم الأمن والتنمية والسيادة الوطنية والدعم الفعلي في مواجهة الإرهاب، معتبرين أن موسكو تقدم بديلاً موثوقًا عن الشراكات التقليدية، في مجالات الدفاع، الطاقة، والتعليم، في وقت تتراجع فيه الثقة بالشركاء الغربيين.
تحالف عسكري واستراتيجي بديل عن النموذج الغربي
من جانبه، قال بيير لوموان، الباحث في مركز “أوروبا الجيوسياسية” في باريس، لـ”العين الإخبارية” إن “ما يحدث في بوركينا فاسو يُعد “تحولاً سياديًا نموذجيًا” في أفريقيا الفرنكوفونية، حيث بات المجلس العسكري بقيادة إبراهيم تراوري يعتمد على شركاء بدلا من الاعتماد على فرنسا والقوى الغربية”.
وأضاف أن: “الوجود الروسي في بوركينا فاسو هو نتيجة إخفاق المقاربة الغربية الأمنية، وروسيا توفّر دعماً مباشراً دون شروط سياسية، ما يناسب المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد”.
وشهد التعاون بين بوركينا فاسو وروسيا تطورًا لافتًا في السنوات الأخيرة، تجلى في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين البلدين.
وتجسد هذا التعاون عبر زيارات رسمية رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة، إلى جانب تزايد حضور المدربين الروس في بوريكنا فاسو.
روسيا شريك سيادي في معركة الأمن والتنمية
من جهته، قال الدكتور مامادو ديالو، المحلل السياسي في “المركز الأفريقي للبحوث الأمنية والتنموية” في باماكو، لـ”العين الإخبارية” إن روسيا “أثبتت قدرتها على أن تكون شريكًا صادقًا للدول الأفريقية التي تواجه تهديدات إرهابية مزمنة”.
وأشار إلى أن “المجلس العسكري في بوركينا فاسو اختار شريكًا يفهم أولوياته: بناء جيش قوي، والحصول على الدعم التقني دون تدخل في القرارات السيادية”.
وأشاد ديالو بإعادة افتتاح السفارة الروسية في واجادوجو بعد 3 عقود من الإغلاق، معتبرًا إياها “دليلاً واضحًا على نية موسكو في إقامة علاقات استراتيجية طويلة الأمد”.
تحالف ذو أبعاد متعددة: الأمن والتعليم والطاقة
ولا يقتصر هذا التعاون على الشق العسكري، بل يشمل مشاريع تنموية واعدة، من بينها بناء محطة نووية مدنية بإشراف “روساتوم”، وزيادة عدد المنح الدراسية للطلاب البوركينيين في الجامعات الروسية.
ويرى خبراء أن هذا التوسع يعكس رؤية شاملة للتحالف، تجمع بين الأمن ومقومات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتؤسس لمرحلة جديدة من الشراكات الإفريقية-الروسية تقوم على الندية والمنفعة المتبادلة
تعزيز الروابط الاستراتيجية: الدبلوماسية والدفاع في الواجهة
من أبرز المحطات في هذا التقارب؛ زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى واجادوجو في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ضمّ نائبي وزير الدفاع، الجنرال كولونيل يونس بك يفكوروف وتيمور فاديموفيتش إيفانوف.
وسمحت هذه الزيارة بالتباحث المعمق حول جوانب التعاون العملياتي والاقتصادي واللوجستي والتكنولوجي، بالإضافة إلى تدريب العسكريين في بوركينا فاسو، بحسب بموقع “أفريك” الفرنسي.
ويكمن الهدف المعلن لهذا التعاون في تقديم دعم ملموس لبوركينا فاسو في جهودها لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة التهديد الإرهابي، لا سيما من خلال تزويدها بالمعدات والتدريبات المتخصصة وتبادل المعلومات الاستخباراتية الحيوية.
زيادة أعداد المدربين العسكريين الروس
وفي يونيو/حزيران 2024، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن زيادة كبيرة في عدد المدربين العسكريين الروس في بوركينا فاسو، في خطوة تهدف إلى تقديم تدريب عالي المستوى للقوات المسلحة لبوركينا فاسو، وتحسين فعاليتها في مواجهة الجماعات الإرهابية.
تعاون متنوع يشمل الطاقة والصحة
وتخطّى التعاون بين البلدين المجال العسكري ليشمل قطاعات حيوية أخرى، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت حكومة بوركينا فاسو عن مشروع لبناء محطة نووية مدنية بقيادة وكالة “روساتوم” الروسية، لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في البلاد.
وفي مجال الصحة، تم إطلاق تعاون لمكافحة وباء حمى الضنك، في خطوة تعبّر عن تضامن ملموس في مواجهة التحديات الصحية.
إعادة فتح السفارة الروسية في واغادوغو
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أُعيد افتتاح السفارة الروسية في واجادوجو بعد 31 عامًا من الإغلاق، في حدث رمزي قوي يجسد متانة الروابط بين البلدين والرغبة في تعزيز التعاون في شتى المجالات.
تحالف استراتيجي من أجل الأمن والتنمية
كما يتّضح أن التعاون بين بوركينا فاسو وروسيا قد تعزز وتنوع، ليشمل مجالات حيوية مثل الأمن والدبلوماسية والطاقة والصحة. ويُنظر إلى هذا التحالف الاستراتيجي كاستجابة عملية لحاجات بوركينا فاسو في تعزيز أمنها ومواكبة تنميتها، مع بناء علاقات طويلة الأمد تقوم على الندية والتفاهم المشترك.
لقاء تراوري – بوتين: نحو مرحلة جديدة من التحالف
في 10 مايو/أيار الجاري، التقى رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، ضمن احتفالات الذكرى الـ80 للانتصار السوفياتي في الحرب العالمية الثانية.
ويُعد هذا اللقاء مؤشرًا واضحًا على التقارب الاستراتيجي، وركز على مجالات التعاون العسكري والاقتصادي والتربوي.
وفي محادثات مباشرة، شدد الزعيمان على التزامهما المشترك بمحاربة الإرهاب والتطرف.
وقال تراوري إن “الأولوية الآن هي إنهاء الحرب، وبناء جيش قوي، والانطلاق نحو التنمية”. فيما رحب بوتين بهذا التوجه، وأكد دعم بلاده لبوركينا فاسو في استعادة النظام الدستوري في وجه الجماعات المسلحة.
وأضاف تراوري، مشيدًا بقدرة موسكو على مواجهة العقوبات الغربية: “ما نواجهه ليس إرهابًا، بل إمبريالية”، في إشارة إلى تحول الخطاب في واجادوجو نحو خطاب سيادي مستقل.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==
جزيرة ام اند امز