عشاء في سان فرانسيسكو يكشف الخطة.. استبدال البشر واستثمار أجور العالم
أسهب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية فى وصف ما قالت إنه حلم أعضاء مجتمع وادي السليكون الأمريكي بالنسبة لمستقبل الذكاء الاصطناعي.
وضربت الصحيفة مثلا بعشاء خاص في أحد مطاعم سان فرانسيسكو، حين وقف رائد أعمال سابق في مجال الذكاء الاصطناعي، تحول إلى مستثمر، ليقدم رسالة واضحة لمجموعة من مؤسسي الشركات الناشئة. وقال إن الثروة الحقيقية في المستقبل ستأتي من استبدال العمالة البشرية. فإذا تمكن الذكاء الاصطناعي من أداء جميع الوظائف، فإن من يستثمر فيه يمكنه – نظريًا – الاستحواذ على مجموع الأجور في العالم.
ووفقا لتقرير الغارديان، قد تبدو هذه الفكرة خيالًا علميًا، لكنها هدف معلن لكثير من رموز صناعة التكنولوجيا اليوم. ورغم أن مثل هذه الطموحات غالبًا ما تُناقش خلف الأبواب المغلقة، بدأت بعض الشركات في الإعلان عنها صراحة.
أتمتة كاملة
وأعلنت شركة تُدعى “ميكانيز” (Mechanize) مؤخرًا أن رؤيتها هي “أتمتة الاقتصاد بالكامل”، واستطاعت إقناع شخصيات بارزة من وادي السيليكون بدعمها، منهم كبير علماء شركة غوغل جيف دين، والمقدم الشهير دواكيش باتيل.
هذه الفكرة يتبناها قادة بالتكنولوجيا، مثل إيلون ماسك الذي قال إن الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد تجعلنا جميعًا بلا وظائف. وبيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت، اعتبر من جهته أن البشر لن يكونوا ضروريين قريبًا لمعظم المهام. ومن هؤلاء أيضا جيفري هينتون – أحد مؤسسي تقنيات الذكاء الاصطناعي – والمستثمر الملياردير فينود خوسلا، وهما يتوقعان استبدالًا هائلًا للعمالة البشرية. وقال التقرير إن هؤلاء ليسوا أصواتًا هامشية – بل هم في قلب الصناعة.
ليس كل الوظائف
وقال التقرير إنه بالطبع، ليست كل الوظائف مهددة. فلا يبدو أن تايلور سويفت، أو هاري كين، أو حتى السياسيين ورجال الدين في خطر. وتلك وظائف تتطلب شهرة أو حضورًا اجتماعيًا أو رمزية بشرية لا يسهل نسخها.
وحالياً، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي استبدال كل العمالة البشرية. فهو يرتكب أخطاء، ويفتقر للتناسق والمرونة والمهارة الجسدية. لكن ما يمكن للتقنيات الحالية أن تفعله كثير بالفعل. وهناك مؤشرات قوية على أن قدراتها ستواصل التحسن – وبسرعة.
ونموذج GPT-4 من شركة OpenAI، على سبيل المثال، حقق في عام 2023 نتائج ضمن أعلى 10% في اختبار نقابة المحامين الأمريكيين. النماذج الأحدث تتفوق حتى على كبار العلماء في البرمجة. ومنذ إطلاق ChatGPT، تراجعت أعمال الكتابة المستقلة بشكل كبير، وحدث نفس الشيء في وظائف التصميم بعد انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد الصور. وفي سان فرانسيسكو، أصبحت السيارات ذاتية القيادة مشهدًا مألوفًا. كما صرح سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI: “الوظائف ستختفي بلا شك”.
الأعمال اليدوية مهددة
وفي حين أن الذكاء الاصطناعي يهدد الوظائف المكتبية، فإن الروبوتات تتقدم بسرعة في مجال العمل اليدوي. ففي مصانع BMW، تُختبر بالفعل روبوتات شبيهة بالبشر. نوع آخر من الروبوتات تعلم تنفيذ أكثر من 100 مهمة كانت تتطلب عمالًا بشريين. وهناك خطط لبدء تجربة روبوتات في المنازل هذا العام.
وبالتالى، فمن الواضح أن الرؤية في وادي السيليكون بسيطة: الذكاء الاصطناعي يفكر، والروبوتات تنفذ. لكن أين موقع البشر في هذا النظام؟
حتى وقت قريب، كان يُعتقد أن الوصول إلى “الذكاء الاصطناعي العام” – أي القادر على أداء كل المهام الذهنية على مستوى البشر – بعيد المنال. أما الآن، يرى ديميس هسابيس، رئيس Google DeepMind، أنه قد يتحقق خلال أقل من 10 سنوات.
وربما تكون هذه التوقعات خاطئة. ربما يتوقف تقدم الذكاء الاصطناعي، أو تظل الروبوتات تتعثر، أو تتوجه الاستثمارات نحو مجال تقني آخر. لكن الأهم من ذلك ليس ما إذا كانت أتمتة العمل بالكامل ستحصل أم لا، بل لماذا يحاول هؤلاء الوصول إليها، وكيف يشعر بقية الناس حيال ذلك.
الرؤية المتفائلة ترى أن الاقتصاد ما بعد العمل سيجلب نموًا هائلًا ورفاهية عالمية. لكن التاريخ لا يقدم أدلة كثيرة على أن هذه المكاسب ستوزع بشكل عادل. فالتجارب السابقة تشير إلى أن القلة تستفيد، بينما يُترك الباقون خلف الركب.
أما التفسير الأقل تفاؤلًا، فهو أن المسألة تتعلق بالمال فقط. وقال المستثمر مارك أندريسن ذات مرة: “البرمجيات تلتهم العالم”. وحتى الآن، كانت هناك حدود لذلك. إذ كانت العمالة البشرية دائمًا عنصرًا لا غنى عنه. أما اليوم، فيرى وادي السيليكون فرصة للاستحواذ على كل وسائل الإنتاج – دون الحاجة للبشر.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز