اقتصاد

مسح الأراضي وصياغة «المنطقة ج».. خطوة إسرائيلية نحو ضمّ الضفة؟


«نكبة جديدة» تتشكل بصمت في قلب الضفة الغربية، مع خطة إسرائيلية لضمّها تدريجياً عبر المسح العقاري والوجود العسكري المستمر.

وتتواصل الإجراءات الإسرائيلية على الأرض في الضفة الغربية المحتلة بوتيرة متسارعة، ضمن استراتيجية مركّبة تجمع بين التصعيد الأمني والمشاريع الإدارية، في ما بات يوصف بأنه مسعى لتكريس «ضمّ زاحف» لأراضٍ فلسطينية، وفرض واقع جديد قد يطيح بفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

برنامج لمسح الأراضي.. أداة قانونية للضمّ؟

في خطوة أثارت تحذيرات من منظمات حقوقية إسرائيلية، أعلنت الحكومة الأمنية الإسرائيلية عن إطلاق عملية ضخمة لتسجيل الأراضي في «المنطقة ج» من الضفة الغربية، الخاضعة بالكامل لسيطرة إسرائيلية، والتي تمثل أكثر من 60% من مساحة الضفة.

منظمة «السلام الآن» الحقوقية الإسرائيلية اعتبرت هذا المشروع «وسيلة ضمّ» محتملة، وحذّرت من أنّه قد يؤدي إلى «سرقة واسعة النطاق» للأراضي الفلسطينية. إذ يُخشى أن يُستخدم المسح العقاري لتسجيل ملكية الأراضي لصالح الدولة الإسرائيلية، في ظل غياب اعتراف إسرائيلي بسندات ملكية فلسطينية تعود لما قبل عام 1967، ما يهدّد حقوق عشرات الآلاف من السكان.

وبحسب المنظمة، فإن المشروع سيحوّل فعليًا مساحات شاسعة من الأراضي إلى ملكية إسرائيلية، دون أن تتوفر للفلسطينيين «وسائل ملموسة» لحماية حقوقهم، ما يعزز خطر استبعادهم قانونيًا من أراضيهم.

حملة عسكرية دائمة

بالتوازي مع التحركات الإدارية، تنفذ إسرائيل منذ يناير/كانون الثاني 2025 حملة عسكرية غير مسبوقة في الضفة الغربية، تجاوزت طابع العمليات الأمنية السريعة لتتحول إلى وجود عسكري دائم، مدعوم بالمروحيات والجرافات الثقيلة.

في مدينتي جنين وطولكرم، تحولت أحياء كاملة إلى مناطق منكوبة، بعدما أجبرت العمليات العسكرية أكثر من 40 ألف فلسطيني على الفرار من منازلهم، في أكبر موجة نزوح بالضفة منذ عام 1967، وفق ما كشفه تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».

رئيس بلدية جنين، محمد جرار، وصف ما يجري بأنه «نقطة تحوّل في الصراع»، مؤكدًا أن إسرائيل تتصرف كما لو أن السلطة الفلسطينية لم تعد موجودة، ما يكرّس واقعًا جديدًا قد يُخرج الضفة الغربية فعليًا من أي تسوية سياسية مستقبلية.

«تصفية» حق العودة؟

إلى جانب العمليات العسكرية، تتحدث تقارير محلية عن نوايا إسرائيلية لتغيير طبيعة المخيمات الفلسطينية، خصوصًا مخيم جنين، وتحويلها إلى أحياء سكنية عادية، مع سحب إدارة وكالة الأونروا، وهو ما يراه الفلسطينيون محاولة لطمس رمزية المخيمات كرمز للاجئين وحق العودة.

ويقول عمار أبو بكر، رئيس غرفة تجارة جنين، إن إسرائيل تسعى إلى «محو التاريخ»، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تمثّل إشارة واضحة إلى مسار الضمّ.

التوجهات على الأرض تتقاطع مع خطاب سياسي يميني متطرف داخل حكومة بنيامين نتنياهو، إذ سبق لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن صرّح بأن عام 2025 «سيكون عام توسيع السيادة الإسرائيلية» على الضفة.

أما وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، فاعتبر قرار تسجيل الأراضي «خطوة رائدة» من شأنها «تعزيز وإنشاء وتوسيع المستوطنات»، في موقف يكرّس الانحياز الكامل إلى مشروع التوسّع الاستيطاني.

تحذيرات ودعوات لتدخل دولي

في المقابل، اعتبر محمد أبو الرب، مدير الاتصال في مكتب رئيس الوزراء الفلسطيني، أن البرنامج الإسرائيلي الجديد يشكل «تصعيدًا خطيرًا» لسياسات الضمّ، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف هذه الإجراءات غير القانونية.

وأكد أن المنطقة «ج» جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، محذّرًا من أن أي محاولة إسرائيلية للسيطرة الإدارية أو الميدانية على هذه المناطق تنسف ما تبقى من المسار السياسي.

وفي ظل الجمع بين التحركات الميدانية والمشاريع القانونية، تتجه الضفة الغربية نحو واقع جديد عنوانه الدائم هو «الضمّ التدريجي»، و«التهجير غير المعلن».

ومع تصاعد الخطاب المتشدد داخل الحكومة الإسرائيلية، وغياب أي أفق سياسي للحل، تبدو الضفة الغربية مقبلة على مرحلة مفصلية، تكرّس ما يشبه سيناريو غزة ولكن بطابع إداري وأمني أكثر تعقيدًا.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى