بوركينا فاسو والطريق الثالث.. الكابتن تراوري يلتمس شرعيته بقوة الثقافة
يخطو الرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري ببلاده عبر طريق ثالث بعيدا عن ثنائية الديمقراطية والدكتاتورية العسكرية.
ورأى الباحث البوركينابي في علم الاجتماع السياسي، أدما ويدراوغو أنه في ظل انسحاب العديد من القوى الغربية وتراجع ثقة المواطن في الأنظمة الديمقراطية الشكلية التي لم تفِ بوعودها، يفتح الخطاب الثقافي الباب أمام نمط جديد من الحوكمة.
وأضاف أنه “بخلاف الخطابات التقنية المرتبطة بالإصلاحات المالية أو خطط التنمية، تأتي دعوة الكابتن تراوري لترتكز على “مفهوم السيادة الثقافية” التي تُمكّن من بناء التماسك الداخلي في وجه التدخلات الخارجية والتهديدات الإرهابية.
وفي قلب تحديات أمنية واقتصادية خانقة، وبين زلازل سياسية تعصف بمنطقة الساحل الأفريقي، اختار الرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو تراوري أن يُنصت لصوت التاريخ، لا لضجيج السلاح.
وفي “يوم العادات والتقاليد”، لم يرفع الرئيس الانتقالي شعار الحرب، بل لوّح براية التراث، مستنهضًا روح الأجداد كدرع للوحدة، ولسانًا للسلام، وأملًا في بناء بوركينا فاسو جديدة تنبع قوتها من جذورها.
وفي رسالة وطنية ملهمة بمناسبة “يوم العادات والتقاليد”، دعا رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو، الكابتن إبراهيم تراوري، الشعب البوركينابي إلى استلهام القيم النبيلة المتجذرة في الموروث الثقافي الوطني، من أجل ترسيخ حب الوطن وتعزيز الوحدة الوطنية.
وفي ظل التحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة، برز خطاب الرئيس الانتقالي كدعوة إلى رص الصفوف وتغذية الشعور بالانتماء الوطني من خلال الجذور الثقافية المشتركة، بحسب صحيفة “بوركينا 24”.
التراث كمنصة للتماسك الوطني
في كلمته بهذه المناسبة 15 مايو/أيار، دعا الكابتن تراوري جميع أبناء وبنات بوركينا فاسو إلى “استلهام القيم الأصيلة من التقاليد العريقة التي ورثوها عن الأجداد”، مؤكدًا أن هذا الموروث ليس مجرد ماضٍ ثقافي بل “قلعة من الصمود” و”حصن للهوية الجماعية”.
وقال الرئيس: “إن التراث الذي تركه لنا أسلافنا هو مصدر قوتنا. أريد أن تكون هذه المناسبة فرصة لكي يحمل التقليديون وطننا في صلواتهم. فلنعزز التسامح، وقبول الاختلاف، والاحترام المتبادل، لكي نبني معًا بوركينا فاسو موحّدة، متضامنة، مزدهرة وبسلام.”
وأكد الرئيس تراوري أن التراث الذي تركه الأجداد لا يُعدّ فقط موروثًا ثقافيًا بل يمثل قلعة صلبة من الصمود، تُمكّن بوركينا فاسو من مواجهة التحديات بروح جماعية. كما عبّر عن أمله في أن يكون هذا اليوم مناسبة للمزيد من التلاحم الوطني، مشددًا على أهمية التسامح، واحترام التنوع الثقافي والديني، وقيم التعايش التي لطالما شكّلت جوهر الشخصية البوركينابية.
السيادة الوطنية
وفي تعليق على هذه المبادرة، قال الباحث ويدراوغو، لـ”العين الإخبارية” أن الكابتن تراوري “يعرف تمامًا أن النصر في المعارك الأمنية لا يكون فقط بالسلاح، بل أيضًا بترميم النسيج المجتمعي”.
وأوضح أن “العودة إلى الجذور ليست رجعية، بل هي استشراف لمستقبل يمكن أن يُبنى على عناصر الثقة والتاريخ. عندما يطلب الرئيس من التقليديين الصلاة للبلاد، فهو لا يبحث عن بعد روحاني فقط، بل عن تجديد العقد الاجتماعي من خلال وسطاء ثقافيين يحظون بثقة المجتمع.”
ويتابع: “خطابه بهذه المناسبة ليس مجرد تهنئة مناسباتية، بل هو جزء من سردية سياسية تُعيد رسم حدود السلطة والشرعية، وتضع المجتمع في قلب الفعل السياسي، وليس على هامشه.”
ورأى ” أن هذا اليوم يحمل بعدًا استراتيجيًا في سياق أمني دقيق. وقال: “دعوة الرئيس لتوحيد الصفوف حول رموز الموروث التقليدي تمثل خطوة ذكية لإعادة تشكيل النسيج الوطني، وتخفيف آثار الانقسامات”.
كما اعتبر الباحث البوركينابي في علم الاجتماع السياسي أن خطاب تراوري ليس مجرد تهنئة بمناسبة، بل هو إعلان عن مشروع وطني جامع ينطلق من الروح البوركينابية الأصيلة”.
وأشار إلى أن هذه العبارات لم تأتِ من فراغ، بل تعكس توجّهًا استراتيجيًا للسلطات الانتقالية نحو ترسيخ نموذج جديد للحكم يعتمد على تأصيل الشرعية الشعبية عبر القيم الثقافية المتجذرة، في وقت تتعرّض فيه النظم السياسية التقليدية للتشكيك من قبل شرائح واسعة من المواطنين.
ويُعد هذا التحول مهمًا في السياق البوركينابي، حيث فقدت النخب التقليدية كثيرًا من مصداقيتها، وبرزت الحاجة إلى بدائل أكثر التصاقًا بروح الشعب، مثل الزعامات التقليدية، وأئمة القرى، وكهنة الطقوس المحلية.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز