عواصف القضاء الفرنسي تضرب «التجمع الوطني».. هل تملأ شراعه أم تحطمه؟
مع بدء تحقيق مالي جديد في ممارسات “التجمع الوطني” (أقصى اليمين) في فرنسا، يراهن الحزب على سردية “الاضطهاد”.
وربما يمتلئ شراع الحزب برياح التأييد الشعبي إذا ما نجح في ترويج قصته للناخبين، لكن ذلك يأتي مع مخاطر لا يمكن تجاهلها بشأن زعزعة صورته أمام الرأي العام.
ويستخدم حزب “التجمع الوطني” تكتيكًا معتادًا يعكس استراتيجيته في تحويل الأزمات القضائية إلى أدوات تعبئة انتخابية.
فهل ما يتعرض له الحزب هو حقًا تصفية سياسية مقنّعة؟ أم أن الملاحقات تسلط الضوء على خلل بنيوي في ممارساته المالية؟
من جانبه، قال الباحث المتخصص في اليمين المتطرف، جون إيف كامو، لـ”العين الإخبارية”، إن هذه القضية تُحرج “التجمع الوطني” في توقيت حرج، يسعى فيه الحزب لتأكيد صورته كقوة سياسية شرعية وقادرة على الحكم، لا كتيار احتجاجي هامشي.
وأضاف أن الحزب، بقيادة جوردان بارديلا ومارين لوبان، يعمل منذ سنوات على تنظيف صورته من الإرث اليميني المتطرف التقليدي، وتقديم نفسه كخيار مقبول للمؤسسات.
ورأى أن هذه الملاحقات القضائية تعيد إلى الواجهة الاتهامات بالاحتيال والالتفاف على القوانين، وتُضعف مزاعمه بالانضباط المالي والشفافية.
“الاضطهاد السياسي”.. سلاح تكتيكي
وأشار كامو إلى أن استدعاء بارديلا لخطاب “الاضطهاد السياسي” ليس جديدًا، بل هو عنصر أساسي في استراتيجية “التجمع الوطني” منذ أيام مؤسس الحزب جان ماري لوبان، معتبرًا أن هذا النهج يعزز تماسك القاعدة الناخبة للحزب، التي ترى في زعيمها ضحية لـ”نظام” يسعى لإسقاطه بوسائل قضائية بعد عجزه عن مواجهته في صناديق الاقتراع.
لكن كامو يوضح أن هذا الخطاب يفقد فعاليته خارج الحلقة المؤيدة، وقد يكرّس في نظر المعتدلين صورة حزب غير قادر على الامتثال لقواعد اللعبة الديمقراطية والمؤسساتية.
الهشاشة التمويلية
ويرى كامو أن هذه الأزمة تكشف مشكلة أعمق تتعلق بالتمويل السياسي لأحزاب أقصى اليمين في أوروبا، إذ غالبًا ما تجد نفسها معزولة عن القنوات التمويلية التقليدية بسبب رفض البنوك التعامل معها، ما يدفعها إلى البحث عن طرق بديلة، غالبًا ما تكون قانونية بصعوبة أو على الأقل محل جدل.
وتتوالى القضايا على حزب “التجمع الوطني”، فقد ندد رئيس الحزب، جوردان بارديلا، يوم الخميس، بـ”عملية تحرّش” و”رغبة في قتل الحزب ماليًا”، وذلك بعد فتح تحقيق قضائي بشأن قروض منحها أفراد للحزب اليميني.
وكان القضاء قد فتح تحقيقًا أوليًا في يوليو/تموز الماضي، بناءً على بلاغ من اللجنة الوطنية لحسابات الحملات الانتخابية وتمويل الأحزاب السياسية (CNCCFP)، وتوسّع التحقيق منذ ذلك الحين، بحسب محطة “20 مينيت” الفرنسية.
قروض متكررة من أفراد
في مطلع مايو/أيار الجاري، كشفت مجلة “شالنج” الاقتصادية الفرنسية أن اللجنة قد رصدت قروضًا مقدّمة من 23 فردًا إلى حزب “التجمع الوطني” بشكل متكرر، بلغ مجموعها أكثر من 2.3 مليون يورو بين عامي 2020 و2023، ولا يزال الحزب يماطل في سدادها.
وصرّح جوردان بارديلا، الذي قال إنه “اكتشف” القضية عبر وسائل الإعلام، بأنه “لا يوجد ما يُلام عليه”، وذلك على هامش زيارة له إلى مونتو-ليه-مين (Saône-et-Loire).
وقال: “يُتَّهَم حزب التجمع الوطني – الذي رفضت كل البنوك منحه قروضًا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة – بأنه لجأ إلى قروض من أفراد، وهي قروض خاضعة لإشراف قانوني، ولها عقود رسمية، وهي قانونية تمامًا”.
الأطر القانونية للقروض السياسية
ويُذكر أن القانون الفرنسي لا يسمح للأفراد بمنح قروض للأحزاب السياسية بشكل “اعتيادي”، كما أن هذه القروض تخضع لسقوف معينة، ولا يجب أن تتجاوز مدتها خمس سنوات، ولا يمكن أن تُعتبر تبرعات مقنّعة، حسب موقع الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي).
التحقيق القضائي، الذي بدأ بشبهات احتيال على حساب جهة عامة، وتزوير واستعمال مزوّر، توسّع ليشمل أيضًا: منح قرض بشكل اعتيادي من قبل شخص طبيعي لحزب سياسي، وقبول الحزب لمثل هذه القروض، وتبرع سنوي يتجاوز 7,500 يورو من شخص طبيعي لحزب سياسي، وقبول الحزب لهذه التبرعات.
ظلال الماضي
ويُذكر أن مارين لوبان، زعيمة الحزب السابقة، حُكم عليها في 31 مارس/آذار الماضي بالسجن أربع سنوات، منها سنتان نافذتان، وخمس سنوات من عدم الأهلية للترشح، مع التنفيذ الفوري، برفقة 23 شخصًا من نواب ومساعدين برلمانيين، بتهمة اختلاس أموال عامة.
التحقيق القضائي حول حسابات حملة مارين لوبان الرئاسية لعام 2022 توسّع ليشمل مخالفات إضافية، كما ذكرت قناة “بي.إف.إم” التلفزيونية الفرنسية في 15 مايو/أيار الجاري. وركّز التحقيق على: تبرعات سنوية تزيد على 7,500 يورو، ومنح قروض اعتيادية من أفراد، وقبول الحزب لها.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز