«الخليج – الآسيان – الصين».. تكتل فاعل بعالم متعدد الأقطاب
تستضيف العاصمة الماليزية، كوالالمبور، القمة الثلاثية الأولى بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) والصين ومجلس التعاون الخليجي، خلال يومي 27 و28 مايو/أيار 2025.
وتأتي القمة الثلاثية في ظل تحولات جيوسياسية واقتصادية عالمية متسارعة، دفعت قوى إقليمية، مثل آسيان ومجلس التعاون الخليجي، إلى البحث عن شراكات متعددة بعيدا عن الاستقطاب الدولي التقليدي.
وبحسب تصريحات نقلها المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الماليزي، فإن القمة المقررة ستشهد مشاركة قادة ورؤساء حكومات من الجانبين، إلى جانب رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في أول مشاركة مباشرة له في قمة ثلاثية تضم الكتل الثلاث.
نقطة انطلاق «تاريخية» لشراكة استراتيجية مستدامة
في كلمته خلال افتتاح أعمال قمة آسيان الـ46، التي تسبق القمة الثلاثية بيوم واحد، وصف رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، القمة الثلاثية المرتقبة بأنها “فرصة تاريخية” لتوثيق الروابط الاقتصادية بين الشرق والغرب، وبناء علاقات مستقرة ومزدهرة قادرة على مواجهة التحديات العالمية المتصاعدة، مشدداً على أهمية أن يكون هذا اللقاء نقطة انطلاق نحو شراكة استراتيجية مستدامة بين المكونات الثلاثة.
ودعا أنور إبراهيم إلى تحويل هذه المبادرة إلى نموذج للتعاون في عالم بات يتشكل على أساس التعددية القطبية، وقال “أمامنا فرصة غير مسبوقة لرسم مسار جديد للتعاون الاقتصادي والسياسي بين منطقتين حيويتين من العالم”.
آفاق واعدة.. على مسار الاقتصاد والتجارة والاستثمار
طفرة كبيرة شهدتها العلاقات في السنوات الأخيرة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” والصين في مختلف المجالات، لا سيما في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، ما جعل “آسيان” والصين من أهم الشركاء الاستراتيجيين لدول مجلس التعاون.
وأوضح نشرول عبيدة، المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الماليزي، أن القمة تهدف إلى “تعزيز العلاقات الاقتصادية وضمان استدامة النمو في الإقليم”، لافتا إلى أن حجم التبادل التجاري بين مجلس التعاون وآسيان يبلغ نحو 130 مليار دولار سنويا، وهو ما يعد قاعدة واعدة للتوسع المستقبلي في مجالات التجارة والاستثمار.
وأشار عبيدة إلى أن مجالات التعاون المرتقبة تشمل البنية التحتية، والتجارة الإلكترونية، وسلاسل الإمداد، خاصة في ظل بلوغ الناتج المحلي لمجموعة آسيان نحو 3.8 تريليونات دولار، فضلا عن الشراكة الحيوية مع الصين، القوة الاقتصادية الثانية عالميا.
وتستهدف القمة الاقتصادية الأولى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” والصين، تعزيز علاقات التعاون الاستراتيجي والدفع بها إلى آفاق أرحب، بما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويرتقي بالعلاقات الاستثمارية وزيادة التبادل التجاري، وهو ما يخدم المصالح المشتركة لتلك الدول ويعود بالنفع على شعوبها.
ويعمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية جنبا إلى جنب مع رابطة “آسيان”، التي تضم 10 دول هي إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند وبروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا، على تعزيز التجارة والاستثمار المتبادل، في وقت تعد فيه الصين شريكاً رئيسياً لكلا التكتلين، ومن شأن هذه الشراكة أن تفتح آفاقا جديدة لتعزيز دور مجلس التعاون ورابطة “آسيان” كقوى إقليمية فعّالة تسهم في صياغة نظام عالمي أكثر استقرارا وازدهارا.
وشهد التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة “آسيان” نمواً كبيرا في السنوات القليلة الماضية، ليصل في العام 2022 إلى 137 مليار دولار، حيث يبلغ حجم التجارة مع دول الرابطة 8% من إجمالي حجم التجارة لدول مجلس التعاون الخليجي مع العالم، كما شكلت الصادرات لدول “آسيان” 9% من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون للعالم، فيما شكّلت الواردات من دول “آسيان” 6% من إجمالي واردات دول المجلس من العالم، حسب البيانات المتاحة على الموقع الإلكتروني لـ”المركز الإحصائي الخليجي”.
وبالتوازي مع ذلك، بلغت نسبة استثمارات دول الخليج في دول رابطة “آسيان” 4% من مجموع الاستثمارات الأجنبية، بقيمة تصل إلى 75 مليار دولار خلال العام 2022، فيما شكلت استثمارات دول رابطة “آسيان” 3.4% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول مجلس التعاون بقيمة 24.8 مليار دولار.
ويمثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” كتلتين اقتصاديتين بارزتين عالميا، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول “آسيان” نحو 3.6 تريليون دولار، ما يؤهلها لأن تصبح رابع أكبر اقتصاد عالمي بحلول العام 2030، فيما تتمتع دول مجلس التعاون بناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 2.3 تريليون دولار، ما يجعلها شريكا مثاليا لدول “آسيان” في تعزيز التعاون الاقتصادي، لا سيما وأن حجم التجارة المتبادلة بين الكتلتين بلغ أكثر من 100 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى، تعد رابطة “آسيان” أكبر شريك تجاري للصين، حيث أظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية أن إجمالي قيمة التجارة بين الجانبين بلغ 234 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، كما تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إذ بلغ إجمالي تجارة السلع بين دول المجلس والصين ما يقرب من 298 مليار دولار في العام 2023، واستحوذت دول المجلس على 36% من إجمالي واردات الصين من النفط الخام في ذلك العام.
وتلعب الصين دورا هاما في تعزيز العلاقات بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي دعمت مشاريع بنية تحتية ضخمة في جنوب شرق آسيا، كما أن لها استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة المتجددة بدول المجلس.
وتشير البيانات الاقتصادية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الأعوام الأخيرة إلى تسارع استثماراتها الأجنبية المباشرة في دول رابطة جنوب شرق آسيا “آسيان”، بما يؤطر العلاقات المستقبلية في قطاعات الاقتصاد والأمن الغذائي والتقنيات وغيرها من المجالات.
بناء روابط اقتصادية مرنة.. وعالم متعدد الأقطاب
ويعِد التقاء كبار مصدري الطاقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع القاعدة الاستهلاكية الواسعة لآسيان والسوق الضخم للصين الذي يضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، بمنافع كبيرة لجميع الأطراف. فمعاً، تمتلك هذه الأطراف من الموارد داخل حدودها ما يكفي لدعم التجارة والصمود في مواجهة أي قيود أو اضطرابات محتملة، كما أوردت وكالة أنباء (شينخوا).
ولم يعد بمقدور الغرب ممارسة الضغط كما كان يفعل من قبل باستخدام قوته العسكرية والاقتصادية، مما يشير إلى تآكل مطرد في النفوذ الذي كان يمتلكه سابقا. وفي ظل النزاعات المستمرة والوقائع الاقتصادية المتغيرة، باتت الدول تعطي أولوية متزايدة للشراكات التي تخدم أهدافها التنموية، بدلا من القبول بسياسات تعيق تقدمها.
ويوفر جمع الأطراف الثلاثة معاً منصة جديدة للتعاون. وإذا لم تتدخل أطراف خارجية، فإن هذا “المثلث الذهبي” الناشئ الذي يجمع بين الموارد والتصنيع والمستهلكين مرشح لدفع عجلة الاقتصاد العالمي قدماً. كما أنه من الممكن أن يساهم في تسريع نشر التقنيات المتقدمة التي تقودها الصين- ولا سيما في مجال المركبات العاملة بالطاقة المتجددة وأدوات الذكاء الاصطناعي مثل ديب سيك والذي طُور بتكاليف أقل بكثير من نظرائه في الغرب.
وفي الوقت الذي تقترب فيه اقتصادات أوروبية كبرى من الركود وانحسار التصنيع وتفقد فيه الولايات المتحدة نفسها ميزتها التفوقية في قدرة بناء السفن وتسجل تراجعا في قطاعات أخرى، تواصل الصين المضي قدما لأنها قادرة على إدراك حقيقة بسيطة مفادها، أن الآسيان، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومجموعات إقليمية أخرى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية تتطلع إلى عصر جديد من السلام والعلاقات الدولية المستقرة.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==
جزيرة ام اند امز