الإخوان في الملاعب الفرنسية.. تسلل هادئ ونفوذ خفي
متسللا خلف شعارات «الاندماج» و«الانفتاح»، نسج الأخطبوط الإخواني خيوطه الدقيقة باسطا شبكة نفوذ مُعقدة، متخذا من الرياضة الفرنسية، وبالأخص كرة القدم، منصة استراتيجية لتوسيع أذرعه.
ففي بلد تتجاوز فيه كرة القدم كونها مجرد لعبة لتصبح ظاهرة اجتماعية وثقافية عميقة الجذور، لم يكن مفاجئاً أن تحدّد جماعة الإخوان المسلمين هذا القطاع الجماهيري كـ«أرض خصبة» لبسط هيمنتها، بعد عقود من التغلغل المدروس عبر الجمعيات التعليمية والدينية والثقافية.
الإخوان والرياضة بفرنسا
تصاعدت في السنوات الأخيرة مؤشرات على سعي بعض الناشطات المحسوبات على الإخوان لفرض الرموز الدينية، داخل الفضاء الرياضي، ما يثير تساؤلات حول مدى إدراك الرأي العام الفرنسي لطبيعة هذا التسلل المعقد وخطورته على المدى البعيد.
فمن خلال واجهاتها المتعددة، وعلى رأسها “الاتحاد الإسلامي لمنظمات فرنسا” (UOIF)، نجحت جماعة الإخوان المسلمين خلال العقود الأربعة الماضية في تأسيس شبكة واسعة ومرنة داخل المجتمع الفرنسي، تضم جمعيات تعليمية ودينية وثقافية – والآن رياضية – تُظهر قدرة عالية على التكيف التكتيكي، رغم ضعف عملية تجديد النخب داخلها.
ورغم إقرار قانون مكافحة «الانفصالية» في 24 أغسطس/آب 2021، والذي يهدف إلى حماية مبادئ الجمهورية، فإن هذا الإطار القانوني «لا يزال عاجزًا عن التصدي الكامل لأساليب الإخوان المتدرجة والناعمة، التي غالبًا ما تتوارى خلف خطاب معتدل وشعارات الانفتاح والاندماج»، بحسب خبراء.
وفي تقرير استخباراتي نشرته وزارة الداخلية الفرنسية مكوّن من 76 صفحة، اطّلعت «العين الإخبارية» على محتواه، كشفت باريس عن تفاصيل دقيقة حول تمركز جماعة الإخوان داخل أنشطة رياضية بعينها؛ أبرزها كرة القدم وكرة السلة والرياضات القتالية، حيث تُستخدم هذه المساحات كمنصات لنشر خطاب الجماعة واستقطاب الشباب.
ويشير التقرير إلى وجود «تحفظ واضح» من بعض الاتحادات الرياضية إزاء عمليات التفتيش والمراقبة التي تجريها السلطات، ما يعيق جهود الدولة في كشف التغلغل الأيديولوجي، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
وقد صرّح رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، عبر منصة «إكس» في أبريل/نيسان الماضي قائلاً: “الهدف من مشروع القانون ليس حظر الحجاب في الرياضة بشكل عام، بل فقط في المسابقات الرسمية”، في إشارة إلى المسعى لضبط التوازن بين الحرية الدينية والالتزام بالعلمانية في المجال الرياضي.
ورغم أن مجلس الشيوخ صوّت في مارس/آذار الماضي على نص قانوني “يهدف إلى ضمان احترام مبدأ العلمانية في الرياضة”، فإن الجمعية الوطنية لم تُحدد حتى الآن موعدًا لمناقشته. ومع ذلك، وحسب التقرير الذي نُشر الأربعاء حول جماعة الإخوان، فإن «النشاطات الانفصالية» تزدهر داخل الأندية الرياضية، حيث تُستهدف بشكل خاص رياضات مثل “كرة القدم، كرة السلة، والرياضات القتالية”.
توسيع النفوذ الأيديولوجي
تُعد الرياضة، وخاصة كرة القدم، وسيلة مثالية لجماعة الإخوان للوصول إلى شريحة واسعة من الشباب، مستفيدة من شعبيتها العالية، ومن التراخي المؤسساتي في بعض الجمعيات والأندية.
وتعاني السلطات الفرنسية من عدة إشكاليات في التصدي لهذه الظاهرة، بينها: «تأخر في إدراك التهديد، حيث يُنظر إلى نشاط الإسلام السياسي كخطر مؤجل مقارنة بخطر الإرهاب، مما يؤخر التدخل الرسمي، وكذلك الطابع السري للحركة، فالإخوان يتميزون بعبادة السر والانضباط الداخلي، مما يصعب مهمة الكشف عن أهدافهم الحقيقية على المستوى المحلي».
كما تعاني السلطات الفرنسية -أيضاً- من الطبيعة المحلية للتهديد، فغالبًا ما تنحصر أنشطة هذه الشبكات في البلديات أو الأحياء، مما يجعل التنسيق الوطني لمواجهتها أكثر تعقيدًا، كما تتخوف السلطات الفرنسية من اتهامات «الإسلاموفوبيا» بعض الإدارات تتردد في اتخاذ إجراءات صارمة خشية التعرّض لاتهامات بالتمييز أو التضييق الديني.
دروس من الجوار الأوروبي
وأظهر التقرير الاستخباراتي أن تجارب دول أوروبية أخرى تعكس أهمية تطوير أدوات تشريعية دقيقة ومحددة، ففي النمسا، يُستخدم القانون الجنائي لتعريف الجمعيات المعادية للدولة، مما يمنح الدولة قدرة أوسع على المراقبة والتدخل.
أما في بلجيكا، يُعرّف التطرف ضمن إطار قانوني يشمل الأيديولوجيات المعادية للديمقراطية، وفي المملكة المتحدة، أطلقت حكومة ريشي سوناك السابقة تعريفًا متقدمًا للتطرف، لكنه لم يدمج حتى الآن في النصوص القانونية الملزمة.
وفي ألمانيا والنمسا، أدى اعتماد تعريفات قانونية واضحة إلى تمكين أجهزة الاستخبارات من التحرك في الوقت المناسب.
روشتة المواجهة
ورغم أن فرنسا اعتمدت تعريفًا للانفصالية يربطها بمحاولة تقويض الهوية الوطنية والديمقراطية، إلا أن هذا التعريف لا يُمسك بعد بدقة بطبيعة المشروع الذي يحمله الإخوان المسلمون. فالجماعة لا تتبنى دائمًا أساليب مواجهة مباشرة، بل تعمل على تآكل تدريجي للهوية المدنية من خلال أدوات ناعمة كالجمعيات الثقافية والرياضية.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى، تعريف قانوني دقيق للإسلام السياسي، يميز بين الدين والمشروع السياسي التخريبي، وتدريب الفاعلين المحليين في البلديات والمؤسسات الرياضية على رصد وتفكيك الخطاب الأيديولوجي.
ورفع وعي الرأي العام، خاصة في الأوساط الشبابية، حول المخاطر الكامنة وراء بعض الشعارات التي تُطرح تحت غطاء “الاندماج” أو “التنوع”.
معركة وعي
وبحسب خبراء، فإنه بات من الضروري ألا ينظر إلى الرياضة كمجال ترفيهي فحسب، بل كساحة دفاع عن القيم الجمهورية. وتبقى اليقظة ضرورية لمنع استخدام الأنشطة الرياضية كأحصنة طروادة لمشاريع أيديولوجية تهدد التماسك الوطني والهوية المدنية. ووفقاً للتقرير فإن فرنسا لا تواجه فقط معركة قانونية، بل أيضًا معركة وعي.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز