«المبعوث».. رأس الحربة الروسية في سباق القاذفات الشبحية
كمشروع مستقبلي لا يكتفي بالردع، تواصل روسيا بثقة تطوير قاذفتها الشبحية الاستراتيجية «باك دا»، ساعية لتثبيت موقع روسيا في نادي القوى النووية ذات الأذرع الطويلة والتقنيات الخفية.
فالقاذفة التي طال انتظارها ليست مجرد منصّة هجومية، بل ورقة استراتيجية تعكس انتقال موسكو من الحرب التكتيكية إلى التنافس الجيواستراتيجي مع الغرب، إلا أنه مع كل تأجيل في رحلتها التجريبية، يُطرح السؤال: هل تمثل «باك دا» المستقبل الحقيقي لسلاح الجو الروسي؟
فعلى مدار 3 سنوات من القتال في أوكرانيا، كانت القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية تعمل بأقصى كفاءة في زمن الحرب، إلا أن موسكو بدأت تتجه إلى تنويع إنتاجها الصناعي الدفاعي بعيدًا عن الاحتياجات المباشرة لساحة المعركة ولتعزيز موقف أقوى في مواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والغرب.
وبمعنى آخر، فلن يقتصر تركيز روسيا على إنتاج الأسلحة والمنصات اللازمة لهزيمة أوكرانيا فحسب، بل ستبدأ أيضًا في بناء أنظمة استراتيجية لتعزيز هيمنتها العسكرية، وفقا لما ذكره موقع «ناشيونال إنترست» الأمريكي الذي أشار إلى أن أحد هذه الأنظمة هو القاذفة «توبوليف باك دا» المقترحة؟
و«باك دا» هو اختصار لعبارة «مجمع الطيران المستقبلي للطيران بعيد المدى»، وتُعرف هذه الطائرة باسم «بوسلانيك» أو «المبعوث» وهي تُمثل مساعي روسيا الطموحة لتطوير أول قاذفة شبح استراتيجية بعيدة المدى.
جرى تصميم «باك دا» لتحل محل قاذفة “توبوليف تو-95 بير” بعيدة المدى التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، كما أنها مُكمّلة لقاذفة “تو-160M2 بلاك جاك” المُطوّرة.
وتركز القاذفة “باك دا” على التخفي، وستتميز بإلكترونيات طيران متطورة، بالإضافة إلى قدرتها على نقل حمولات متعددة الاستخدامات.
وترى موسكو “باك دا” كمنافس محتمل لقاذفة الشبح الاستراتيجية الأمريكية بعيدة المدى “بي-2 سبريت” والقاذفة الأمريكية الأحدث “بي-21 رايدر”.
وجرى تصميم “باك دا” كقاذفة استراتيجية دون صوتية، تعمل بنظام الجناح الطائر على غرار القاذفتين الأمريكيتين “بي-2 وبي 21″، كما أنها تمثل خروجًا عن التركيز الروسي التقليدي على القاذفات الأسرع من الصوت مثل “Tu-160 “.
ويستغني هيكل الجناح عن مكونات الطائرات التقليدية، مثل هيكل الطائرة والذيل وأسطح التحكم البارزة، ويعتمد بدلاً من ذلك على أجهزة كمبيوتر متطورة للتحكم في الطيران للحفاظ على الاستقرار بهدف تقليل المقطع العرضي للرادار (RCS) للطائرة، مما يعني أن هذه الطائرة قادرة نظريًا على اختراق أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة دون أن تُكتشف.
وتشير مصادر روسية إلى أن مدى “باك دا” سيتراوح بين 7500 و9320 ميلًا، مما يسمح لها بتنفيذ مهام هجومية بعيدة المدى دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود.
وتُقدر حمولة القاذفة بما يتراوح بين 30 و35 طنًا، متجاوزةً بذلك الحد الأقصى للطائرة”بي-2″ البالغ 20 طنًا.
وبإمكان “باك دا” أن تنقل حمولة مختلطة من الأسلحة التقليدية والنووية، وحتى الأسلحة الأسرع من الصوت(مثل صواريخ كروز ذات الرؤوس النووية” Kh-102″ ومشتقات من صاروخ” Kh-47M2″ الأسرع من الصوت.
مميزات
وتقول المصادر الروسية إن “باك دا” ستكون من طراز “الجيل السادس” من الطائرات الحربية، وستتضمن تقنيات متقدمة، مثل حجرات الأسلحة الداخلية، وقدرات الحرب الشبكية، وإمكانية استخدام طائرات مسيرة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي.
وتتكهن مصادر إعلامية روسية بأنها قد تتضمن أيضا أسلحة ليزر وهي الأسلحة التي تعمل روسيا على تطويرها منذ سنوات، وذلك على الرغم من أن هذه التقنية لا تزال غير متطورة للقتال الجوي.
وسيُشتق محرك القاذفة من محرك” Kuznetsov NK-32 Tier 2 ” المُحسّن المستخدم في طائرة ” Tu-160M2. “
وصُممت القاذفة لتتمكن من القيام برحلات جوية متواصلة لمدة تصل إلى 30 ساعة، والعمل في ظروف قاسية، مع عمر خدمة يتراوح بين 12 و21 عامًا.
وبرنامج “باك دا” ليس جديدًا إنما يعود إلى أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، وأصدرت القوات الجوية الروسية المتطلبات الرسمية في عام 2007 وبدأ تمويلها في عام 2008 وتم تكليفت شركة “توبوليف”، التابعة لشركة الطائرات المتحدة (UAC)، بتطوير القاذفة الجديدة مع وجود مرافق إنتاج متمركزة في جمعية إنتاج الطائرات في قازان .
وبحلول عام 2013، تم اختيار تصميم الطائرة مع التركيز على التخفي مقابل السرعة، وتمت الموافقة على المسودة النهائية في فبراير/شباط 2019 وبدأ بناء مكونات الطائرة الأولى في أواخر العام مع تقارير عن بدء إنتاج النموذج الأولي بحلول عام 2021.
عقبات
ورغم الطبيعة الطموحة للمشروع، فقد واجه عقبات هائلة مثل تأخر تطوير موسكو لتكنولوجيا التخفي كثيرًا عن الولايات المتحدة التي تدمج مواد امتصاص الرادار على عكس روسيا التي تعتمد على طلاءات خارجية ما بعد الإنتاج.
ويعتقدون أن الطلاءات التي جرى تطويرها في المركز العلمي للمشكلات التطبيقية والديناميكا الكهربائية، تُوفّر قدرة محدودة على الصمود في مواجهة الدفاعات الجوية الحديثة، مما يُقوّض مصداقية القاذفة الشبحية.
وبشكل فعلى، فإن الطائرة الشبحية الوحيدة العاملة في روسيا هي طائرة Su-57 “Felon” – التي تجنّب الجيش الروسي استخدامها إلى حد كبير فوق أوكرانيا، نظرًا لقلة أعدادها والمخاوف بشأن قدرتها على الصمود.
وتزعم مصادر روسية أن هناك نماذج أولية متعددة قيد الإنشاء، ومن المتوقع إصدار نموذج تجريبي خلال العام المقبل.
ولأكثر من مرة تم تأجيل الرحلة التجريبية الأولى للقاذفة ومن غير المرجح أن يبدأ الإنتاج التسلسلي قبل عام 2030 بسبب التحديات التقنية والاقتصادية المستمرة.
ومع ذلك تصر شركتا “توبوليف” و”روستيك” الروسيتان لمقاولات الدفاع واللتان تعملان على القاذفة، أن الوضع على ما يُرام.
وفي النهاية، يتوقف مستقبل القاذفة على قدرة روسيا على التغلب على قيودها التكنولوجية ومواردها خاصة وأن حرب أوكرانيا تُرهق قطاع الدفاع كما أن العقوبات المُطوّلة قد تؤدي إلى تفاقم التآكل في الدفاع الصناعي الروسي.
ويعكس قرار روسيا تحديث طائرة ” Tu-160M2 ” كإجراء مؤقت الحاجة المُلحة للحفاظ على القدرة التشغيلية وإذا نجحت موسكو في تشغيل القاذفة “باك دا” القنابل PAK DA، فستنضم إلى نخبة الدول التي تمتلك طائرات شبح حديثة من الجيل السادس.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==
جزيرة ام اند امز