ترامب وكيم.. هل انتهى زمن «دبلوماسية القمم»؟
رغم تصاعد نجم كوريا الشمالية كقوة آسيوية، لم تكن بيونغ يانغ وما تمثله من «تهديدات» على جارتها الجنوبية ومصالح واشنطن،
رغم تصاعد نجم كوريا الشمالية كقوة آسيوية، لم تكن بيونغ يانغ وما تمثله من «تهديدات» على جارتها الجنوبية ومصالح واشنطن، ضمن الملفات الكثيرة التي ازدحمت بها طاولة الرئيس الأمريكي خلال المائة يوم الأولى.
وبشكل مطرد تتنامى قوة كوريا الشمالية التي أجرت هذا العام فقط تجارب صاروخية، واستولت على 1.5 مليار دولار من العملات المشفرة، وأرسلت المزيد من القوات لدعم روسيا في أوكرانيا، وكشفت النقاب عن أكبر مدمرة صواريخ حديثة في جيشه، وهي سفينة حربية تزن 5000 طن ومجهزة بأحدث الأسلحة، وفقا لما ذكرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، ملأ الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خزائنه ببيع أسلحة بمليارات الدولارات لروسيا، وحسّن جيشه بالدروس المستفادة من حرب أوكرانيا، وعزز قواته الجوية والصاروخية والبحرية والنووية بدعم تقني من موسكو ونقل معداتها، تضيف المجلة الأمريكية.
واعتبرت المجلة أن ترك كوريا الشمالية «دون أي تحرك سيجعلها تجري المزيد من التجارب النووية، وتعزز علاقاتها مع الصين وإيران وروسيا وتصنع أسلحة أكثر تطورًا يمكن أن تشكل تهديدًا حقيقيًا للولايات المتحدة».
وأشارت إلى أن إدارة ترامب تحتاج إلى استئناف الحوار مع كوريا الشمالية لوقف هذه التطورات، لكن السؤال هو كيف؟
وبحسب «فورين أفيرز»، فإن ترامب روج دائما لعلاقته «الوطيدة» مع كيم والتي بُنيت خلال ثلاث قمم، خلال ولايته الأولى، إلا أنه لكن لم يكن هناك أي تواصل جوهري بينهما منذ 2019 مما ترك بيونغ يانع تتصرف كما تشاء على حساب المصالح الأمنية للولايات المتحدة وحلفائها.
تنازلات كبيرة؟
ومن غير المرجح أن يدع ترامب، صانع الصفقات الماهر هذا الأمر، ومع سيطرة أولويات “أمريكا أولاً” على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، قد يكون على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة للتوصل إلى اتفاق مع كوريا التي تختلف الآن عما كانت عليه في 2018 و2019.
فمن ناحية، يُزوّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كوريا الشمالية بأكثر مما تتمنى من الغذاء والوقود والعملة الصعبة والتكنولوجيا العسكرية، بالإضافة إلى معاهدة دفاعية وضمانات أمنية مُبرمة في يونيو/حزيران 2024.
كما فكك الفيتو الروسي نظام عقوبات الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية، فلا بكين ولا موسكو تلتزمان بأي عقوبات يفرضها مجلس الأمن.
وعززت بيونغ يانغ ترسانتها النووية بشكل كبير منذ لقاء كيم وترامب حيث تُقدر ترسانتها بحوالي 50 سلاحًا نوويًا، بما في ذلك رؤوس حربية نووية تكتيكية مصغّرة، وكمية كافية من المواد الانشطارية لصنع 40 سلاحًا إضافيًا.
وتستمر ترسانة كيم في التوسع مع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي تعمل بالوقود الصلب، والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، والمركبات الانزلاقية الأسرع من الصوت، وطائرات الاستطلاع الاستراتيجية المسيرة والغواصات النووية التكتيكية والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
أوراق ضغط
وسمح فشل المجتمع الدولي في وقف انتشار الأسلحة الكورية الشمالية لبيونغ يانغ بامتلاك ترسانة حديثة، ما يعني أن كيم يمتلك أوراق ضغط ونفوذًا أكبر من أي وقت مضى، وبالتالي فإن التواصل مع بيونغ يانغ وفق المبادئ القديمة بلا جدوى لأنها لن تتنازل استباقيًا عن جميع قدراتها النووية مقابل الحصول على منافع وأمن.
ولن يُجدي الاعتماد على أقصى قدر من الضغط نفعًا بسبب عدم امتثال روسيا والصين للعقوبات الدولية، كما أثبتت كوريا الشمالية قدرتها الفائقة على الصمود.
دبلوماسية القمة
وترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي حاول دبلوماسية القمة مع كيم، لكن المفاوضات لم تُحرز أي تقدم، بحسب المجلة الأمريكية، التي قالت إن ذلك يعود إلى أنه (ترامب) كان يأمل أن تشجع الصداقة والثقة كيم على العمل مع الولايات المتحدة بدلًا من العمل ضدها لكن كيم يتخذ قراراته بناءً على حسابات المصالح.
وقد تكون الدعاية المرتبطة بـ«قمة رابعة» أمرًا لا يُقاوم بالنسبة لترامب المنفتح فعلا على هذه المحادثات، لكن من غير الواضح كيف يُمكن إقناع كيم بالجلوس على طاولة المفاوضات فلم يعد رفع العقوبات حافزًا جذابًا كما كان في 2018.
ولا يُمكن لترامب الاعتماد فقط على قدرته على الإقناع لإبرام صفقة لكن عليه توسيع نطاق الحوافز التي قد يتضمنها أي اتفاق محتمل، ويجب أن يكون واقعياً بشأن ما يمكن تحقيقه من نزع سلاح كوريا الشمالية.
ملامح اتفاق محتمل
ومن المرجح أن تنظر إدارة ترامب إلى المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية من منظور “أمريكا أولاً” مُركّزة بشكل أقل على نزع السلاح النووي وبشكل أكبر على الحدّ من التهديدات المباشرة للأرض الأمريكية.
وقد يتضمن الاتفاق حظر تجارب كوريا الشمالية للأسلحة النووية، وتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وإنتاج المواد الانشطارية ويُرجّح أن ترغب الولايات المتحدة في أن تتعهد بيونغ يانغ بعدم تزويد دول الشرق الأوسط (وتحديداً إيران) والجهات الفاعلة غير الحكومية بتكنولوجيا الأسلحة.
وبهذا الاتفاق، يُرجّح أن تتخلى إدارة ترامب عن التفاوض على أهداف نزع السلاح النووي الصعبة، مثل نزع مئات الصواريخ قصيرة المدى وآلاف قذائف المدفعية التي تُهدّد اليابان وكوريا الجنوبية وهو ما يثير مخاوف البلدين وغيرهما من الحلفاء.
وبحسب «فورين أفيرز»، فإن ما تريده بيونغ يانغ حقًا هو قبول فعلي أمريكي بها كدولة نووية رغم أنه لن يُحقق فوائد مادية وبالفعل تلمح تصريحات ترامب لهذا الأمر من خلال الإشارات المُستمرة إلى كوريا الشمالية على أنها “قوة نووية” وهو التعبير الذي استخدمه وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي المؤقت ماركو روبيو.
وربما تتعامل واشنطن مع دعوة بيونغ يانغ لانسحاب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية وهو ما ترفضه كوريا الجنوبية. وليس من المستبعد أن يسعى ترامب إلى إنهاء 75 عامًا من التورط الأمريكي في الصراع هناك، وإعادة القوات إلى الوطن أو نشرها في أماكن أخرى، وإعلان السلام في شبه الجزيرة.
وقد تلتقي ميول ترامب أيضًا مع خطط البنتاغون المزعومة لتوجيه القوات الأمريكية في كوريا بعيدًا عن الردع في شبه الجزيرة ونحو الدفاع عن تايوان.
مخاوف كبيرة
ورغم إمكانية إبرام مثل هذه الصفقة، إلا أنها ستثير مخاوف شديدة في كوريا الجنوبية والتي يمكن أن يخففها دعم ترامب لتعزيز الدعوات المحلية في سول لامتلاك أسلحة نووية.
ويمكن لترامب أن يعزز اهتمامه بسد فجوة بناء السفن مع الصين من خلال تشجيع بناء السفن في كوريا الجنوبية واليابان لتلبية الطلب الأمريكي المؤقت على أسطول تجاري استراتيجي.
وقد يُعلن ترامب حتى عن “صفقة قرن” أوراسية جديدة، تسعى من خلالها إلى استثمارات مشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية لتحويل خط السكك الحديدية بين روسيا وكوريا الشمالية من تسهيل نقل الأسلحة إلى نقل سلع أخرى وأن يتوسع ليشمل سول.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز