سفير إيران بصنعاء.. واجهة دبلوماسية لـ«مهمات الظل»
في خضم أزمة اليمن، يبرز اسم السفير الإيراني في صنعاء علي رضائي كشخصية محورية في إدارة عديد الملفات السرية بين طهران ووكلائها الحوثيين.
فرغم سرية أدواره التي تحيطها مليشيات الحوثي بالتكتم الشديد، إلا أن تقريرا يمنيا حديثا كشف لأول مرة مهامه الخفيفة المتمثلة بالإشراف «على شبكة حوثية للتحايل على العقوبات الدولية عبر شركات وهمية وتحالفات اقتصادية سرّية».
التقرير الصادر عن مركز p.t.o.c yemen للدراسات الاستقصائية وطالعته «العين الإخبارية»، أكد «إشراف السفير الإيراني في صنعاء، علي رضائي، على آلية متكاملة صممتها طهران خصيصًا لمساعدة مليشيات الحوثي على التحايل على العقوبات الأمريكية، بالتنسيق مع شخصيات رفيعة من الجانبين الإيراني والحوثي».
ويشارك في هذه الآلية، وفقا للتقرير، وزير التجارة الإيراني عباس علي آيادي وفريق ايراني متخصص من وزارته وفريق يمني برئاسة وكيل جهاز الأمن والمخابرات للقطاع الاقتصادي ونائب وزير التجارة والصناعة والاستثمار بحكومة الحوثيين غير المعترف بها محمد قطران وآخر يدعى أيمن الخلقي”.
وبحسب وثائق خاصة من وزارة التجارة والصناعة والاستثمار بصنعاء، فقد اتفق الحوثيون وإيران على آلية تجارية مشتركة تهدف لتزويد الحوثيين بالخبرات والآليات والتجارب في كيفية التحايل ومواجهة العقوبات الأمريكية.
وشملت آلية التحايل التي يشرف عليها سفير إيران بصنعاء “تشييد شركات في عدد من الدول الحليفة واستخدام الشركات اليمنية ذات العمر التجاري الطويل في استيراد المستلزمات المختلفة من الخارج وكذا استخدام الشركات المتوقفة أو شركات المعارضين لهم سياسيا أو المغتربين الذين قاموا بتأسيس شركات تجارية قبل العام 2017 وغادرو اليمن وتركوها”.
وكانت إيران عينت في 27 أغسطس/آب 2024، مندوبا جديدا لها في صنعاء بغطاء «الدبلوماسية»، في تحدٍ للشرعية والمجتمع الدولي.
تنسيق مشترك
وفي وثيقة حصل عليها مركز p.t.o.c yemen ويتحفظ عن نشرها، كشف عن استراتيجية لتنسيق أعمال الحوثيين التجارية مع إيران عبر دولة ثالثة وبأسماء وبيانات شركات وهمية أو مزورة.
وفي وثيقة أخرى، مذيلة بتوقيع عبدالواحد أبو رأس أحد أخطر القيادات الأمنية للحوثيين ونائب وزير الخارجية للمليشيات والمسؤول عن الملف الخارجي للحوثيين، يخاطب أبو رأس السفير الإيراني خلال اجتماع مشترك عن حاجة المليشيات لأكثر «من طرف دولي لتنسيق الأعمال التجارية مع إيران».
وأقر أبو رأس بانكشاف الشبكة الدولية للحوثيين بقيادة سعيد الجمل وأنشطتها التي أصبحت «مكشوفة وأنه من غير المعقول استمرار نشاطه التجاري في دول شرق آسيا والصين كون الولايات المتحدة تضعه تحت المجهر مما يستدعي اختيار شخصيات سرية جديدة وفي أكثر من دولة لتسهيل التحايل على العقوبات».
وكشف التقرير عن «تورط شركة عادل البدجي للصرافة في أنشطة مالية مشبوهة مرتبطة بمليشيات الحوثي، بعد إيكال المليشيات إليها بعض المهام التي كانت تضطلع بها شركة الرضوان للصرافة المدرجة ضمن قوائم العقوبات الأمريكية».
ووفقا للتقرير فإن شركة البدجي تعمل في «دور الوسيط المالي بين جهات خارجية وشبكات تمويل العمليات العسكرية الحوثية، لا سيما تلك التي يشرف عليها القيادي الحوثي المعروف أبو حسين المداني مشرف جبهة الساحل الغربي».
وأكد أن “شركة البدجي أصبحت واجهة مالية بديلة لجماعة الحوثي وتشكل عنصرا خطيرا في تمويل الإرهاب الحوثي عبر أدوات غسيل الأموال والتحايل على العقوبات”.
أدلة دامغة
يقوم المخطط الحوثي للتحايل على العقوبات تحت إشراف السفير الإيراني بصنعاء على استخدام الشركات المصادرة، إعادة تشغيل الشركات المتوقفة، استغلال شركات تابعة لرجال أعمال مهاجرين، الترهيب والإكراه للشركات الناجحة، واستغلال الشركات المساهمة، ونشاط الشركات المزيفة في الاستيراد والتصدير.
ولتنفيذ هذا المخطط، يعتمد الحوثيون على مجموعة من الأساليب المتطورة لتنفيذ مخططهم في التحايل على العقوبات الدولية واستمرار تدفق الموارد المالية والتجارية إلى الجماعة، منها التزوير القانوني، وغسل الأموال، واستيراد البضائع المزدوجة، والتحايل على القوائم السوداء، وهي ممارسات مصممة لإخفاء الأنشطة غير المشروعة وضمان استمرار عملياتهم التجارية دون إثارة الشبهات.
في أحد الأدلة، أفاد ملاك شركة “دوينج لتقنية المعلومات المحدودة” و”شركة الوحدة العربية للخدمات النفطية المحدودة” أن مليشيات الحوثي استخدمت اسمي الشركتين بشكل غير قانوني ودون علمهم أو موافقتهم، ضمن مشروعها المنهجي للهيمنة على القطاع الخاص في اليمن.
يأتي هذا الانتهاك في إطار حملة حوثية منظمة تستهدف الاستحواذ القسري على الأسماء التجارية والشركات الخاصة، لتوظيفها كواجهات في أنشطة مشبوهة تشمل غسل الأموال وتمويل عمليات الجماعة، ما يهدد بيئة الأعمال والاستثمار في البلاد ويقوّض أسس الاقتصاد الوطني، وفقا للتقرير.
وفي دليل ثان، انتحلت مليشيات الحوثي اسم “شركة تمام محمد السقاف لتجارة الأدوية والمستلزمات الطبية، واستخدمتها دون تفويض رسمي، ضمن تحركاتها الرامية لاختراق السوق الدوائية والتحكم بها.
وتندرج هذه “الممارسات ضمن استراتيجية ممنهجة لتوسيع نفوذ المليشيات في القطاعات الحيوية عبر الاستغلال غير المشروع للعلامات التجارية وتزييف المنتجات بهدف تمويل أنشطتها وتعزيز سيطرتها الاقتصادية على حساب الأمن الصحي للمواطنين”.
وعرض التقرير دليلا ثالثا يتمثل بتلقي المركز بريدًا من مسؤول حكومي بارز، يتحدث فيه عن شركة “جيناس” ويوضح ما حدث له من ابتزاز واحتيال على يد قيادات تجارية مرتبطة بجماعة تجارية، وأهمها مؤسسة صالح الشامي للخدمات النفطية.
وأوضح المسؤول في رسالته أن “مؤسسة الشامي استنسخت العلامة التجارية لشركة جيناس واستوردت معدات وقطع غيار ومنتجات مشابهة من الصين، مدعيًا أنها تمثل الشركة الأصلية”.
وجاء في الرسالة أن شركة “جيناس” تنفي تمامًا أي صلة أو ارتباط أو تبعية لها مع مليشيات الحوثي، وتؤكد أنها شركة تايوانية الأصل، وتمثل في اليمن من قبل وكلائها منذ عام 2000، كما أكدت على أنها ليست شركة مقاولات أو خدمات نفطية.
كما أوضح الرد أن “مؤسسة الشامي للخدمات النفطية والتجارة العامة، التابعة لصالح صالح صالح الشامي، قامت بتقليد “منتجات جيناس” في الصين واستيرادها إلى اليمن، وقد رفعت الشركة دعوى قضائية ضد المؤسسة في المحكمة التجارية.
وتثبت هذه الأدلة الدامغة أن “مليشيا الحوثي عبر قطاعها التجاري تستخدم العلامات التجارية للشركات التجارية ذات السمعة الطيبة الكبيرة والقديمة في ترويجها المالي، بهدف التحايل على العقوبات الدولية وتضليل الجهات الدولية ذات الاختصاص”.
ويحذر التقرير من أن مليشيات الحوثي باتت تتبنى أساليب متقدمة في غسل الأموال والتمويه المالي، بالتنسيق الوثيق مع الحرس الثوري الإيراني، مما يتطلب تحركًا دوليًا عاجلاً لتعزيز آليات المراقبة، ووقف تدفق الموارد التي تستغلها المليشيات في تمويل أنشطتها العسكرية والسياسية.
وكانت تقارير صحفية دولية كشفت عن تعزيز مليشيات الحوثي نشاطها ووجودها المالي من خلال تشيد شركات وهمية وربطها بشركات عراقية قائمة للاستفادة من النظام المالي العراقي الذي يشرف علي الإيرانييين.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز