اقتصاد

رواتب كردستان.. انقسام كردي يعقد الأزمة ويربك مسار الحل


وسط أجواء توتر سياسية متزايدة تهدد استقرار العملية السياسية في العراق، عاد ملف رواتب موظفي إقليم كردستان ليكشف هشاشة العلاقة بين بغداد وأربيل، بعد أن قررت وزارة المالية إيقاف التمويل، ما فجر موجة غضب كردية عارمة.

وبينما توعدت الأحزاب الكردية، باللجوء إلى «جميع الخيارات»، اصطدمت بخلافات داخلية عرقلت حتى اجتماعًا موحدًا، فخرج هشًا بمقاطعة واسعة وفتور سياسي كشف عمق الشرخ داخل البيت الكردي ذاته.

ورغم ذلك، تسعى بغداد لاحتواء الغضب ببعث مبعوثيها ووعودها، حيث يستعد هادي العامري لزيارة أربيل في محاولة لامتصاص التوتر.

فماذا نعرف عن الأزمة؟

في بيان «شديد اللهجة»، أدانت الأحزاب والأطراف الكردستانية، المجتمعِة في مصيف صلاح الدين، قرار وزارة المالية العراقية بإيقاف رواتب موظفي إقليم كوردستان، واصفة إياه بـ«غير الدستوري وغير القانوني».

وأكد البيان الختامي لاجتماع الأحزاب الكردستانية الذي اطلعت عليه “العين الإخبارية”، أن “قرار وزارة المالية العراقية بإيقاف رواتب متقاضي الرواتب في إقليم كوردستان غير دستوري وغير قانوني”.

وشدد البيان على أن القرار “سياسي ويتعارض مع إرادة شعب كوردستان والكيان الدستوري والقانوني لإقليم كوردستان”.

وطالب البيان الحكومة الاتحادية بـ”الالتزام بواجباتها والتزاماتها تجاه شعب إقليم كوردستان وفقاً للدستور الدائم للعراق وقرار المحكمة الاتحادية”، مؤكداً على ضرورة “عدم خلط حقوق موظفي إقليم كوردستان بالصراعات السياسية والابتعاد عن سياسة الإجبار والضغط على إقليم كوردستان”.

واعتبرت الأطراف المجتمعة أن “سياسة الضغط تتجاهل التغييرات الكثيرة والسريعة في المنطقة ولا تصب في مصلحة أي طرف”. وأعلنت أن “خيار الحوار والتفاوض هو أفضل طريق للحل في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه، ترى جميع الخيارات مفتوحة أمامها من أجل المصالح العليا لإقليم كوردستان”.

مقاطعة واسعة

ورغم محاولة إظهار جبهة موحدة، إلا أن كواليس الاجتماع كشفت عن مقاطعة واسعة من قبل قوى سياسية بارزة، مما ألقى بظلاله على مدى فعالية أي موقف كردي موحد تجاه بغداد.

وكشفت مصادر سياسية مطلعة عن فشل الاجتماع الذي دعا له الحزب الديمقراطي الكردستاني في صلاح الدين، بسبب مقاطعة أغلب الأحزاب السياسية في الإقليم.

وأفاد مصدر مطلع بأن الاجتماع “فشل قبل انعقاده” بعد إعلان حركة الجيل الجديد مقاطعتها، وامتناع بقية الأحزاب الكردية عن الحضور.

وأوضح المصدر لـ”العين الإخبارية”، أن رئيس الحزب الديمقراطي، مسعود بارزاني، الذي كان من المقرر أن يترأس الاجتماع، قرر عدم الحضور شخصياً بعد هذه المواقف الرافضة، واقتصر التمثيل على أعضاء من المكتب السياسي للحزب، وهو ما اعتبر مؤشراً على فتور التفاعل السياسي.

وأضاف المصدر إن “القيادي في الحزب الديمقراطي وزير الخارجية بالحكومة الاتحادية فؤاد حسين ترأس الاجتماع للأحزاب الكردية”.

وأكد المصدر أن قرار “الجيل الجديد” بعدم المشاركة أسهم في تعطيل التحضيرات بشكل فعلي، حيث تبعته قوى كردية أخرى في المقاطعة.

تسويق  و«إفلاس»

ووصفت النائبة سروة عبد الواحد، رئيسة كتلة الجيل الجديد في مجلس النواب، الاجتماع بأنه “عديم الجدوى”، معتبرة أنه لا يتجاوز كونه محاولة للتسويق الإعلامي والتقاط الصور في ظل “إفلاس واضح” للحزبين الرئيسيين.

وأضافت في تدوينة عبر حسابها الرسمي بمنصة “إكس”، أن الاجتماع الذي “دعا إليه البارزاني شارك فيه الحزبان الحليفان (الاتحاد والديمقراطي)، وثمانية أحزاب أخرى عدد مقاعدهم من أصل 100 مقعد في برلمان الإقليم كرسي ونصف فقط”، مما يؤكد “إفلاساً واضحاً للحزبين، لأنهم لا يستطيعون أن يجمعوا الأحزاب الكردية”.

وجددت عبد الواحد رفضها لمثل هذه الاجتماعات، مشيرة إلى أن من يديرون الإقليم “يرفعون الضرائب، ويزيدون أسعار الكهرباء بنسبة 500%، ويكتمون الأصوات، ويتقاسمون المناصب، ولا يفكرون مجرد تفكير بطلب رأي الآخرين”.

واتهمت المنظومة الحاكمة في إقليم كردستان بمحاولة التغطية على “السرقات المستمرة”، مؤكدة غياب النية الحقيقية للتنازل أو الإصلاح. كما انتقدت غياب الشفافية في ملفي النفط والنقاط الحدودية، حيث يتحكم حزبين فقط بهذه الموارد دون اطلاع الجهات الرقابية أو المعارضة.

لا اجتماعات حزبية خارج المؤسسات الشرعية

وأعلنت حركة التغيير رفضها حضور الاجتماع، مؤكدة أنها “ترفض أي اجتماع حزبي خارج المؤسسات الشرعية”. وشددت الحركة في بيانها على أن “إقليم كردستان يعيش فراغاً قانونياً. برلمان كردستان هو الهيئة المسؤولة عن اتخاذ القرار في كافة القضايا، بما في ذلك العلاقة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية”.

من جانبه، أعلن رئيس تيار الموقف، علي حمه صالح، أن تياره لن يكون جزءاً من هذه الاجتماعات الحزبية، مؤكداً أنه “لا يمكن أن تكون الاجتماعات الحزبية بديلاً عن برلمان كردستان المعطل منذ عامين ونصف”.

ودعا علي حمه صالح في بيان له إلى “الحكمة وإصلاحات داخلية حقيقية واتفاق جاد مع الحكومة الاتحادية” بدلاً من الاجتماعات والتهديدات.

كما أعلنت أحزاب أخرى مثل الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وحركة العدل، وجبهة الشعب برئاسة لاهور شيخ جنكي، عدم مشاركتها في الاجتماع.

تسوية قريبة 

على صعيد آخر، كشف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي لـ”العين الإخبارية”، ان القيادات الكردية تنتظر ما تفرز عنه زيارة هادي العامري يوم غد الى اربيل كمبعوث لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وأضاف أن “الاجتماع أكد على وحدة القرار والموقف الكردي، وأي قرار سيتخذ سيكون بالإجماع، وينفذ من قبل جميع الأحزاب التي شاركت في هذا الاجتماع”، مبيناً أنه “لم يتخذ قرار الانسحاب من بغداد، لأنه وصلت إلينا اتصالات من قيادات سياسية على مستوى رفيع، تطالبنا بالتأني، لمعالجة المشكلة”.

كما أوضح أن رئيس تحالف الفتح هادي العامري سيزور أربيل يوم غد على رأس وفد سياسي، لمعالجة الخلل الأخير، مشيراً إلى أنهم تلقوا “وعداً بصرف الرواتب يوم الاثنين المقبل، بعد توقيع السوداني على الصكوك”.

أربيل وتسليم النفط

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الكردي محمد زنغنة أن اتهامات الحكومة الاتحادية لإقليم كردستان بعدم تسليم العائدات النفطية إلى شركة “سومو” الوطنية تفتقر إلى الأساس القانوني والعملي، معتبراً أن الأمر يتعلق بـ”حجج سياسية” مرتبطة بتطورات داخلية وخارجية.

وذكر زنغنه في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أن الاتفاق المبرم ينص على تسليم 400 ألف برميل نفط يومياً، إلا أن توقف عمليات التصدير وعدم توفر مصافٍ اتحادية كافية لاستيعاب هذه الكميات يجعل من الصعب تنفيذ هذا الالتزام، وبالتالي فإن الإقليم غير مسؤول عن عدم التسليم في ظل هذه الظروف.

وأشار إلى أن الإيرادات غير النفطية يتم استلامها مباشرة من قبل الحكومة الاتحادية، وبالتالي فإن تحميل الإقليم مسؤولية الخلل المالي الحالي غير منطقي.

وربط زنكنة التصعيد الأخير بتوقيع إقليم كردستان اتفاقيتين نفطيتين خلال زيارة وفد كردي إلى واشنطن مؤخراً، الأمر الذي أثار حفيظة أطراف سياسية في بغداد، وفق تعبيره.

وفي ما يتعلق بالرد المحتمل من جانب الإقليم، لم يستبعد زنكنة خيار “الانسحاب الكردي من العملية السياسية العراقية”، خصوصاً من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حال استمرار ما وصفه بتجاهل مبادئ “التوازن، والشراكة، والتوافق” التي قامت عليها العملية السياسية بعد 2003.

وأكد أن الإقليم “لن يقف مكتوف اليدين أمام محاولات فرض الأمر الواقع”، محذراً من أن استمرار الخلافات بهذا الشكل سيزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي في العراق ككل.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى