مالي تعزز سيادتها التعدينية.. امتلاك 62% من مصفاة الذهب الوطنية
في خطوة تحمل دلالات اقتصادية واستراتيجية عميقة، صادق مجلس الوزراء المالي، خلال اجتماعه الأسبوعي، على مشروع قانون يجيز مساهمة الدولة في رأسمال شركة مصفاة الذهب في مالي، إلى جانب مشروع مرسوم يحدّد آليات تنفيذ هذه المشاركة.
وبحسب بيان المجلس، فإن هذه الخطوة تأتي تجسيدًا لتوصيات اللقاءات الوطنية لإعادة التأسيس، التي دعت إلى إعادة هيكلة القطاع المنجمي بهدف دمجه بشكل أفضل في الدورة الاقتصادية الوطنية وتعظيم مردوده المحلي، بحسب وكالة الأنباء الافريقية في نسختها الفرنسية.
إصلاحات متراكمة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي
وتشمل التوصيات التي استندت إليها الحكومة عدة محاور رئيسية: رفع نسبة مشاركة الدولة في رؤوس أموال شركات التعدين، مراجعة قانون التعدين بهدف تعظيم العائدات السيادية، إنشاء شركة وطنية لاستغلال الثروات المعدنية، إقامة مصفاة وطنية للذهب للسيطرة على سلاسل الإنتاج، ضمان تتبع الذهب المُستخرج عبر طرق تقليدية (الاستغلال الحرفي) لضمان بقاء القيمة المضافة داخل البلاد.
وفي هذا السياق، شرعت الدولة في سلسلة من الإصلاحات التي توجت عام 2023 باعتماد مدونة تعدين جديدة وقانون حول “المحتوى المحلي” لتعزيز إشراك الكفاءات والموارد المالية الوطنية في أنشطة القطاع.
شراكة روسية–مالية تحت سيطرة الدولة
ولدت شركة مصفاة الذهب في مالي بموجب اتفاق شراكة بين الدولة المالية وشركة “يادران” الروسية، حيث ينص الاتفاق على امتلاك الدولة حصة تبلغ 62% من رأس المال الاجتماعي للمصفاة، ما يعكس رغبة مالية صريحة في السيطرة على مفاصل قطاع التعدين الاستراتيجي.
ومن المقرر أن يتم تشييد المصفاة على الأراضي المالية، بطاقة إنتاجية سنوية تصل إلى 200 طن من الذهب، ما سيحوّلها إلى أحد أكبر المشاريع الصناعية في البلاد من حيث التأثير الاقتصادي والمردودية المحتملة.
وتمثل هذه الخطوة تحولًا نوعيًا في تعاطي الدولة المالية مع قطاع الذهب، الذي طالما شكل مصدر دخل أساسي، لكنه بقي حتى وقت قريب تحت سيطرة الشركات الأجنبية. ومع هذه المبادرة، تعلن باماكو عن نقلة جديدة نحو السيادة الاقتصادية واسترجاع زمام التحكم في الموارد الطبيعية.
ويشير مراقبون إلى أن رفع حصة الدولة إلى 62% يترجم إرادة سياسية قوية لوضع حد لنموذج “الاستخراج والتصدير الخام” الذي لم يكن يعود بالنفع الكافي على الاقتصاد المحلي، ويفتح الباب أمام بناء سلاسل قيمة مضافة داخلية، من التكرير إلى التصدير تحت إشراف وطني.
كما أن الشراكة مع روسيا، في ظل مناخ جيوسياسي متوتر، تعكس محاولة من باماكو لتنويع شركائها الدوليين بعيدًا عن النفوذ الغربي التقليدي، وبناء علاقات جديدة قائمة على المنفعة المتبادلة والمكاسب المشتركة.
ووفقاً للوكالة الأفريقية، فإن تثبيت الدولة المالية لحصتها الكبرى في مصفاة الذهب ليس مجرد إجراء مالي، بل هو رسم لملامح سياسة صناعية وطنية جديدة، تقوم على التحكم، التكرير، والتصدير من الداخل، في محاولة لاستثمار أحد أغنى الموارد الطبيعية في البلاد لصالح اقتصاد أكثر استقلالًا وشمولًا.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز