اقتصاد

من بوابة بنغلاديش.. «العين الإخبارية» ترصد تحركات الإخوان لاختراق جنوب آسيا


في تطور لافت يعكس تحولات مقلقة في خريطة الإسلام السياسي جنوب آسيا، جاء قرار المحكمة العليا في بنغلاديش بالسماح للجماعة الإسلامية، المرتبطة أيديولوجيًا بتنظيم الإخوان الإرهابي، بخوض الانتخابات المقبلة بعد سنوات من الحظر والملاحقات القضائية.

القرار أعاد إلى الواجهة الجدل حول الدور المتجدد للجماعات المرتبطة بفكر تنظيم الإخوان ولكن هذه المرة من خلال أدوات ديمقراطية وقانونية.

ووفق خبراء لـ«العين الإخبارية» فإن هذه الخطوة ليست مجرد مشاركة انتخابية، بل تمثل محاولة لإعادة تموضع وشرعنة النفوذ الإخواني في المنطقة عبر واجهات جديدة أكثر نعومة، مدعومة بخطاب سياسي مموّه يتماشى مع السياقات المحلية، إضافة إلى العمل على إنشاء ملاذات آمنة للتنظيم الذي بات ملاحقا في غالبية دول العالم. 

وأكدوا أن ما يحدث في بنغلاديش يتطلب يقظة إقليمية وفهمًا معمقًا لخطورة التمدد الأيديولوجي تحت مظلة الشرعية الانتخابية، كون الأمر يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز حدود بنغلاديش، ليطول التوازنات الإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة التطرف وإعادة إنتاجه.

ومنعت الجماعة الإسلامية من المشاركة في انتخابات عام 2013 من جانب قضاة في المحكمة العليا، اعتبروا أن نظامها الداخلي يناقض الدستور العلماني في بنغلادش.

شرعنة نفوذ الإخوان بآسيا

وتعقيبا على هذه التطورات، أكد الدكتور مجاهد الصميدعي، الخبير الأمني الدولي، والباحث في “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات” ومقره ألمانيا، في حديث خاص لـ”العين الإخبارية، أن عودة الجماعة الإسلامية في بنغلاديش للمشاركة في الانتخابات خطوة خطيرة نحو إعادة شرعنة نفوذ الإخوان في جنوب آسيا.

 فبنغلادش، وفق الصميدعي، بموقعها الجغرافي المحوري وكثافتها السكانية، قد تتحول إلى نقطة ارتكاز جديدة للفكر الإخواني بعد تضييق الخناق عليه في الشرق الأوسط.

ونبه خبير الأمن الدولي إلى أن “الشرعية الانتخابية تمنح الجماعة الإخوانية فرصة التغلغل في مؤسسات الدولة، وبناء شبكات إعلامية وتعليمية وخيرية تخدم مشروعًا أيديولوجيًا لا وطنيًا”، متابعا :”فالمشاركة الانتخابية تمنح الجماعة الإسلامية شرعية مؤسساتية، وتمد جسورًا للتعاون مع منظمات إسلامية إقليمية مرتبطة فكريًا أو تنظيميًا بالإخوان”.

تقويّض قيم التعددية

والأخطر أن هذا التمدد قد يشجع الحركات المتطرفة في ماليزيا وإندونيسيا والفلبين على التنسيق التنظيمي والفكري، مما يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، وفقا للصميدعي، الذي أكد هنا أن استخدام أدوات الديمقراطية لنشر فكر استقطابي وتدريجي يؤدي إلى تطبيع التشدد، ويقوّض قيم التعددية والمواطنة.

الباحث في “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أوضح أن ما يحدث في بنغلاديش “لا يمكن فصله عن مشروع إقليمي، لإعادة إحياء التنظيم الإخواني عالميًا بواجهة ديمقراطية ناعمة”.

واعتبر أن قرار المحكمة العليا يحمل دلالات استراتيجية أبعد من الساحة البنغالية “إنه اختبار جديد لقدرة الإخوان على استعادة موطئ قدم في جنوب آسيا عبر أدوات قانونية وسياسية، وهذا يتطلب يقظة إقليمية وفهمًا معمقًا لخطورة التمدد الأيديولوجي تحت مظلة الشرعية الانتخابية”.

ورأى أن موافقة المحكمة العليا والسماح للجماعة الإسلامية بالمشاركة في الانتخابات، تمثل ” تحوّلًا سياسيًا لافتًا”، لا سيما بعد أكثر من عشر سنوات من الحظر الذي فُرض على الجماعة بتهم تتعلق بالتطرف والتعاون مع قوى معادية خلال حرب الاستقلال.

ويأتي قرار المحكمة العليا في بنغلاديش، بعد بضعة أيام من قيام المحكمة ذاتها بإلغاء حكم بالإعدام صدر بحق القيادي البارز في حزب الجماعة الإسلامية أزهر الإسلام .

وهو الحكم الذي صدر بحقه في عهد رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، كما أمرت المحكمة بالإفراج الفوري عنه.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، حُكم على أزهر الإسلام بالإعدام لتورطه بإرتكاب جرائم خلال حرب استقلال بنغلاديش ضد باكستان في 1971.

ملاذات آمنة للتنظيم

وحذر الدكتور عمرو عبد المنعم، الخبير المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي، في حديث خاص لـ”العين الإخبارية”، من أن “التنظيم الدولي للإخوان سيسعى بقوة لاختراق المجتمع البنغلاديشي، وخلق ملاذات آمنة للتنظيم عبر عدد من الأدوات بينها الجماعة الإسلامية”.

وقال عبد المنعم إن “تنظيم الإخوان يملك أذرعًا مالية هائلة ويُدير استثمارات ضخمة عبر شركات عابرة للحدود تُغيّر أسماءها باستمرار، لتتحرك بسلاسة في بعض الدول التي تقدم تسهيلات استثمارية، ومن خلال هذه الشبكات، يمتد نفوذ الإخوان إلى الداخل البنغلاديشي، مستغلين الفراغ الأمني أو الاقتصادي”.

ولفت في هذا الصدد، إلى أنه من الممكن ذوبان الجماعة الإسلامية داخل تنظيم الإخوان، لكن هناك استقلالية نسبية حتى اللحظة تمنع ذلك.

وإذ أشار إلى أن الجماعة الإسلامية تتوافق إلى حد كبير مع الدولة، إلا أن “عبد المنعم” حذر من مخاطر خوض الجماعة الإسلامية الانتخابات المقبلة.

وأوضح أنه ربما تسعى الجماعة تدريجيا إلى السيطرة على مفاصل الدولة، عبر العمل على تشكيل الحكومة في مرحلة لاحقة، وهو نهج معروف في تجارب الإسلام السياسي.

الخبير المصري، نوه إلى أنه رغم أن الجماعة الإسلامية تمارس أدوارا دعوية وخدمية داخلية، لكن لا يمكن إغفال طموحات بعض أفرادها في الوصول إلى السلطة.

خطر كبير

كما لم يستبعد الدكتور هشام النجار الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي، أن تكون عودة الجماعة الإسلامية بوابة لتوسيع نفوذ الإخوان في جنوب شرق آسيا.

وقال “النجار” في حديث خاص لـ”العين الإخبارية” إن: عودة الجماعة الإسلامية سيتيح المشاركة في الحياه السياسية واستخدام أدوات النفوذ والثروة لتدعيم نشاط الجماعة العابر للحدود.

وأكد أن حضور الإخوان في أي مشهد سياسي يمثل خطرا كبيرا، وينذر تدريجيا بالهيمنة على الدولة، إضافة إلى أن التمكين للجماعة بمنطقة، يعني امتداد تأثير هذا التمكين لمناطق أخرى من العالم.

وشدد على أنه لا توجد ضمانات بأن تحقق بنغلاديش استقرارا سياسيا واقتصاديا، بعدما غادرت الشيخة حسينة السلطة، بل ربما تتحول مرة أخرى إلى مرتع للقوى الإرهابية والأصولية.

ورأى أن رحيل الشيخة حسينة، تقف خلفه مؤامرة تشبه بشكل كبير ما أطلق عليه “الربيع العربي” بالشرق الأوسط، قائلا إن واشنطن ساهمت في إسقاط حكم الشيخة حسينة لصالح معارضيها، ولصالح الإخوان، لضرب العلاقات بين بنغلاديش والصين”.

 وأدت استقالة رئيسة وزراء بنغلادش، الشيخة حسينة وتركها البلاد، أغسطس/آب من العام الماضي، بعد أسابيع من الاحتجاجات ضد سياساتها، إلى عودة قوية لحزب الجماعة الإسلامية، للساحة السياسية، مع طموح للمشاركة في السلطة.

وأعلن محامي الجماعة الإسلامية، شيشير منير، الأحد، أن قرار إجازة المحكمة العليا في بنغلاديش للجماعة الاسلامية، المشاركة في الانتخابات، بعد أكثر من عشرة أعوام على حظره إبان حكم رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، “ستيح إرساء “نظام ديمقراطي وجامع ومتعدد الأحزاب” في هذا البلد (170 مليون نسمة) ذي الغالبية المسلمة.

وفي 29 يوليو/تموز من العام الماضي، أعلنت الحكومة حل حزب الجماعة الإسلامية، بعد اتهامه بالمشاركة في الاحتجاجات، لكن استقالة الشيخة حسينة ومغادرتها البلاد، في وقت لاحق، ساهمت في عودة الجماعة إلى المشهد.

وسبق أن شاركت الجماعة عبر حزبها “حزب الجماعة الإسلامية” في الانتخابات البرلمانية، وتمكنت في 2001 من المشاركة، لأول مرة، في ائتلاف حكومي، بعد أن حصلت على 17 مقعدا في البرلمان، وحقيبتين وزاريتين.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى