اقتصاد

يمين فرنسا والتمثيل النسبي بانتخابات البرلمان.. «النفوذ» خط أحمر


مشروع إدخال نظام التمثيل النسبي بفرنسا يرعب يمينها، التيار الذي يخشى أن تحرمه إعادة رسم خارطة البرلمان نفوذه التقليدي.

ومنذ 30 أبريل/نيسان الماضي، أطلق رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو سلسلة من المشاورات مع القوى السياسية حول فكرة انتخاب النواب وفق نظام التمثيل النسبي، وقد يتم عرض مشروع القانون هذا على البرلمان في الخريف المقبل.

ويرى خبراء سياسيون فرنسيون أن مشروع إدخال هذا النظام في الانتخابات التشريعية قد يقلب التوازنات السياسية ويهدد استقرار الجمهورية الخامسة.

يأتي ذلك في وقت يلوّح فيه وزير الداخلية برونو ريتايو بالانسحاب من الحكومة رفضًا للمشروع المثير للجدل.

وتصريحات ريتايو التي جاءت عقب لقائه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، كشفت عن عمق الانقسام داخل السلطة التنفيذية بشأن مستقبل النظام الانتخابي الفرنسي.

وبحسب خبراء تحدثوا لـ”العين الإخبارية”، فإن دوافع الرفض لا تقتصر فقط على مبررات دستورية، بل تعكس أيضًا مخاوف إستراتيجية لدى اليمين من فقدان نفوذه التقليدي في ظل نظام انتخابي يعيد رسم خارطة التمثيل البرلماني.

ما الفرق؟

النظام الانتخابي في فرنسا يختلف بحسب نوع الانتخابات، لكن في الانتخابات التشريعية (الجمعية الوطنية/ البرلمان)، يُعتمد نظام الأغلبية على دورتين، وهو يختلف جذريًا عن نظام التمثيل النسبي.

والفرق بين النظام الانتخابي في فرنسا والتمثيل النسبي جوهري، ويكمن في طريقة تمثيل الناخبين داخل البرلمان.

ففي النظام الأغلبية المعتمد حاليًا في فرنسا، يُنتخب النائب في دائرة جغرافية محددة، ما يعزز العلاقة المباشرة بين الناخب وممثله، ويُفضي غالبًا إلى تشكيل أغلبية برلمانية واضحة تسمح بالحكم المستقر.

أما في نظام التمثيل النسبي، فيصوّت المواطنون لقوائم حزبية، وتُوزّع المقاعد بحسب نسبة الأصوات، ما يتيح تمثيلًا أوسع للتعددية السياسية، لكنه يؤدي غالبًا إلى برلمان مشتت يصعب فيه تشكيل تحالفات متينة، ويقل فيه الارتباط المباشر بين النائب والناخب.

ولوح وزير الداخلية الفرنسي ورئيس حزب “الجمهوريين” الجديد، برونو ريتايو، يوم الإثنين، بإمكانية خروجه من الحكومة، رافضا بأن يكون حامل مشروع قانون يهدف إلى إدخال نظام التمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية أمام البرلمان.

وقال بصريح العبارة لرئيس الوزراء فرانسوا بايرو: “جميع الخيارات مطروحة”.

ويقترب رئيس الوزراء فرانسوا بايرو من إنهاء سلسلة مشاوراته مع الأحزاب السياسية بشأن إدخال نظام الاقتراع النسبي في الانتخابات التشريعية، وهو مشروع طالما دافع عنه.

وسبق أن استقبل بايرو، أمس الإثنين، في مقر رئاسة الحكومة (ماتينيون)، برونو ريتايو بصفته رئيس حزب “الجمهوريين” الجديد، يرافقه كل من لوران فوكييه وماتيو دارنو، رئيسي الكتلتين النيابيتين في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.

أزمة يمين أم أزمة سياسة؟

في تعقيبه، يرى لوران جانفران، باحث في معهد الدراسات السياسية بباريس، أن “مشروع إدخال التمثيل النسبي يشكّل تهديدًا مباشرًا للنموذج المؤسسي الذي صيغت عليه الجمهورية الخامسة، والذي بُني على منطق الاستقرار التنفيذي عبر أغلبية برلمانية واضحة”.

ويقول جانفران، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن “التمثيل النسبي في السياق السياسي الفرنسي الحالي، والمطبوع بتشظي الحياة الحزبية وصعود تيارات الاحتجاج، سيؤدي إلى برلمان غير قابل للحكم، يصعب فيه تشكيل تحالفات متينة”.

وأضاف: “فكرة التمثيل النسبي مغرية من حيث تمثيل التعددية، لكنها في الواقع قد تدفع نحو مأزق سياسي دائم، خصوصًا في ظل غياب ثقافة التحالفات المستقرة داخل الحياة السياسية الفرنسية”.

من جانبها، قالت كلير دولاك، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ليون 2 ومتخصصة في النظم الانتخابية، إن رفض برونو ريتايو نابع من رغبة سياسية في حماية المواقع الانتخابية التقليدية لليمين، خاصة في الدوائر الريفية.

وأوضحت، لـ”العين الإخبارية”، أن “التمثيل النسبي يضعف الرابط الجغرافي بين النائب ودائرته، ويعزز التمثيل الحزبي على حساب التمثيل المحلي”، ما يتعارض مع الرؤية “الجمهورية التقليدية” التي تفضلها قوى اليمين.

وترى دولاك أن “المعارضة المعلنة من قِبل ريتايو وفوكييه تعكس أيضًا خوفًا من صعود قوى التجمع الوطني (أقصى اليمين) عبر آلية نسبية قد تعيد تشكيل التوازنات السياسية بشكل جذري”، معتبرة أن “النقاش ليس فقط تقنيًا، بل هو أيضًا إستراتيجي بامتياز لـ”العين الإخبارية”.

ورفع وزير الداخلية وزعيم اليمين الفرنسي منسوب التوتر، مؤكدًا أن “جميع الخيارات مطروحة”، في حال طُلب منه الدفاع عن مشروع قانون يقرّ التمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية.

وأوضح أنه أبلغ رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، خلال اجتماع دام ساعة وربع، أنه “لن يتبنى هذا النوع من الإصلاحات”.

«شرخ»

جدد برونو ريتايو معارضته “الشديدة والمطلقة لهذا النظام الانتخابي”، محذرًا من أنه “قد يخل بتوازن مؤسسات الجمهورية الخامسة، التي تحتاج إلى أغلبية واضحة لتعمل بشكل جيد”.

وأكد، في تصريحات إعلامية، أن “التشظي الذي قد ينجم عن نظام الاقتراع النسبي سيكون مزعزعًا جدًا لاستقرار البلاد”، مضيفًا: “في وقت نحتاج فيه إلى اتخاذ قرارات حاسمة، سيؤدي التمثيل النسبي إلى حالة من اللا حكم، وبالتالي إلى نوع من العجز في الأداء العام”.

وشدد ريتايو أيضًا على أن التمثيل النسبي “سيعمق من الشرخ القائم أصلًا بين فرنسا الريفية وفرنسا الحضرية”، مذكرًا بأن اليمين “مرتبط بشدة” بمفهوم “التجذر”، أي بضرورة وجود “رابط بين النائب، ومنطقته، والسكان الذين يمثلهم”.

من جانبه، عبّر لوران فوكييه، رئيس الكتلة النيابية للجمهوريين في الجمعية الوطنية، عن “ذهوله” من فحوى الاجتماع، وندد بما وصفه بـ”عبث وتلاعب في قواعد اللعبة الانتخابية”.

أما زميله في مجلس الشيوخ، ماتيو دارنو، فدافع عن ضرورة الحفاظ على “الاستقرار والتجذر في المناطق”.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى