اقتصاد

هاوارد هيوز.. عبقري الأعمال الذي صنع الأساطير ثم اختفى في ظلال جنونه


هاوارد هيوز… عبقري حلق في سماء الطيران وهوليوود، حاصرته الثروة والعزلة، فصار أسطورة تتأرجح بين الابتكار والجنون، والسيطرة والانهيار.

عُرف رائد الأعمال هاوارد هيوز بعبقرية استثنائية امتزجت بهوسٍ لا يهدأ، ورغبةٍ دائمة في تجاوز الحدود وكسر القيود.

ذلك الرجل الذي حلق بطائراته في سماء الطيران، وطار بخياله ليقتحم عالم الإنتاج السينمائي في هوليوود، فكان جزءًا من أسطورة صناعة الأفلام، وامتلك ثروة هائلة فتحت أمامه أبواب مشاريع كبرى، قبل أن ينزوي في عزلةٍ غامضة.

وبفضل شخصيته المثيرة للجدل، تحولت حكايته إلى مادة سينمائية، جسدتها أفلام مثل The Aviator وRules Don’t Apply.

 فلم يكن مجرد ملياردير غريب الأطوار، بل رمزًا لصراع داخلي محتدم بين الطموح والاضطراب، وبين الرغبة في السيطرة والانهيار.

وعلى امتداد مسيرته، انتقل هيوز من شابٍ طموح صنع لنفسه اسمًا في هوليوود، إلى ملياردير غارقٍ في عزلةٍ غريبة الأطوار، إذ كانت حياته تعج بغرائب تفوق الخيال.

وبينما خلدت ابتكاراته في الطيران وأفلامه الشهيرة اسمه في التاريخ، ظلت معركته مع الجنون والوحدة تمثل الفصل الأكثر دراميةً وإثارةً في سيرته.

نشأته ودراسته

وُلد هاوارد هيوز في 24 ديسمبر/كانون الأول عام 1905 بمدينة هيوستن بولاية تكساس، وكان الابن الوحيد لوالديه، هاوارد هيوز الأب، المهندس والمخترع البارز في مجال النفط، وألين غانو.

ونشأ هيوز في كنف أسرة ميسورة وذات مكانة مرموقة في المجتمع الأمريكي، حيث حقق والده ثروة طائلة بفضل ابتكاره أداة حفر قادرة على اختراق الصخور الجرانيتية، ما أحدث تحولًا جذريًا في صناعة النفط آنذاك.

ورغم الثراء والرفاهية التي أحاطت به، لم تخلُ طفولته من المصاعب، فقد عانى منذ صغره من ضعف السمع، الأمر الذي سبّب له صعوبات في التواصل مع من حوله، كما تأثر بشدة بعلاقة والدته به، إذ كانت مفرطة في حمايته وشديدة القلق على صحته، حتى أنها كانت تُلزمه بالنوم إلى جوارها ومراقبة حالته الصحية بشكل مستمر.

وقد ساهمت هذه البيئة الضاغطة في نشوء شخصية انطوائية لدى هيوز، حيث لازمته مشاعر القلق والوسواس منذ سنواته الأولى، لترافقه لاحقًا في مختلف مراحل حياته.

ولم يتلقَّ هيوز تعليمًا نظاميًا في طفولته، فقد كانت والدته تفضّل أن يتعلم تحت إشرافها المباشر داخل المنزل، حرصًا على حمايته من الأمراض والاختلاط بالآخرين.

وعندما تقدّم في السن، قرر والده إلحاقه بعدد من المدارس الداخلية الخاصة، معتمدًا على نفوذه وقدرته المالية لتجاوز شروط القبول الصارمة.

وعلى الرغم من ذكائه الحاد، ظل هيوز يعاني من صعوبة في الاندماج الاجتماعي نتيجة خجله وضعف تواصله مع زملائه.

ولم يكن هيوز شغوفًا بالتعليم التقليدي، بل انصبَّ اهتمامه على مجالات محددة استحوذت على خياله واهتمامه منذ الصغر، مثل الطيران والسينما.

ورغم عزوفه عن الدراسة الأكاديمية، إلا أنه نجح في الحصول على معارف جيدة في تلك الميادين التي أحبها، ممهدًا بذلك الطريق نحو طموحاته المستقبلية.

السيرة المهنية لهيوز

تُعَدُّ المسيرة المهنية لهاوارد هيوز واحدةً من أكثر المسيرات إثارةً في التاريخ المعاصر، إذ امتدت عبر مجالات متنوعة شملت الطيران، والإنتاج السينمائي، والأعمال التجارية، وجمعتها شخصية استثنائية اتسمت بهوس الكمال والسعي الدائم إلى التفوق.

وانطلق هيوز في مسيرته المهنية من عالم الطيران، المجال الذي عشقه منذ الصغر.

ورغم انتمائه إلى أسرة ثرية وذات نفوذ، لم يركن إلى إرث العائلة، بل آثر أن يخط لنفسه طريقًا يحقق فيه طموحاته الخاصة، ويسعى لتحقيق إنجازات غير مسبوقة.

وبدأت خطواته الأولى في عالم الطيران خلال عشرينيات القرن الماضي، حين اشترى طائرة قديمة وانكب على إصلاحها بنفسه.

وفي عام 1932، استطاع أن يحطم الرقم القياسي لأسرع رحلة جوية عبر القارة الأمريكية، الأمر الذي وضع اسمه في صدارة مشاهير الطيران آنذاك.

هاورد هيوز

ثم أسس في عام 1935 شركته الخاصة “Hughes Aircraft Company”، التي سرعان ما أصبحت من أبرز الشركات في صناعة الطائرات.

ومن بين إنجازاته اللافتة في هذا الميدان، تصميمه للطائرة الشهيرة “Hughes H-4 Hercules”، والتي عُرفت بكونها أكبر طائرة خشبية في التاريخ.

ورغم أن الطائرة لم تحلق سوى لوقت قصير، إلا أن تصميمها شكَّل خطوة متقدمة في مسار تطور صناعة الطيران.

ولم يقتصر شغف هيوز على الطيران فحسب، بل كان أيضًا رائدًا في ميدان الإنتاج السينمائي، ففي عام 1927، اشترى حقوق فيلم “Wings”، الذي نال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم.

كما أنتج عددًا من الأفلام التي لاقت شهرة واسعة، كان من أبرزها “Hells Angels”، الذي اعتُبر آنذاك من أضخم الإنتاجات السينمائية.

أما في عالم المال والأعمال، فقد أظهر هيوز براعة استثنائية، وخلال ثلاثينيات القرن العشرين، استحوذ على شركات كبيرة مثل “Trans World Airlines” (TWA)، إحدى كبرى شركات الطيران الأمريكية، وعمل على تطويرها وتعزيز مكانتها في السوق.

غير أن شخصيته الانطوائية المتقلبة جعلته يواجه تحديات متكررة في إدارة أعماله، وفي بعض الأحيان اضطر إلى التخلي عن أجزاء من شركاته، سواء بفعل الضغوط المالية أو نتيجة انشغاله المتزايد بمشاريعه البحثية ومغامراته في عالم الطيران.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA==

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى