أزمة مراقبة الحركة الجوية في الولايات المتحدة.. فوضى مطار نيوارك نموذجا
شهد مطار نيوارك ليبرتي الدولي في نيوجيرسي، وهو الأكبر في الولاية، موجة من التأخيرات والإلغاءات المتكررة في الأسابيع الأخيرة، ما يكشف عن أزمة متفاقمة في نظام الطيران الأمريكي.
ووفقا لتقرير نشرته “أسوشيتد برس”، تتمثل أبرز المشاكل في النقص الحاد في عدد مراقبي الحركة الجوية، إلى جانب الاعتماد على معدات قديمة تعاني من الأعطال المتكررة. وتسابق إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) ووزارة النقل الأمريكية الزمن لإيجاد حلول عاجلة وطويلة الأمد لهذه الأزمة.
وفقا للتقرير، بدأت الأزمة الحالية تتصاعد في أواخر أبريل/نيسان وأوائل مايو/أيار، عندما تعرض نظاما الرادار والاتصالات لعطل ثلاث مرات منفصلة، ما أدى إلى فقدان المراقبين القدرة على رؤية الطائرات أو التواصل معها لمدة قاربت 90 ثانية في بعض الحالات.
وحدث ذلك نتيجة فشل خطوط البيانات التي تنقل إشارات الرادار من منشأة تابعة لإدارة الطيران في نيويورك إلى المراقبين في فيلادلفيا الذين يتحكمون في المجال الجوي لنيوارك. ورغم أن نظام الطوارئ نجح في تجنب العطل الأخير، إلا أن الانقطاعين الأولين تسببا في ضغوط نفسية شديدة أدت إلى حصول 5 إلى 7 مراقبين على إجازة طارئة لمدة 45 يومًا، مما فاقم من نقص الكوادر.
نقص في الموظفين
وتعمل حالياً في منشأة فيلادلفيا 22 مراقبًا جويًا معتمدًا بشكل كامل و5 مشرفين فقط، في حين أن العدد المطلوب هو 38. ويوجد 21 متدربًا، من بينهم 10 فقط مؤهلين للعمل في بعض القطاعات. ونتيجة لذلك، اضطرت إدارة الطيران إلى تقليص عدد الرحلات في مطار نيوارك إلى ما بين 24 و28 عملية إقلاع وهبوط في الساعة، بعد أن كانت تصل إلى 38 أو 39 في الظروف العادية، مما جعل نيوارك من أكثر المطارات تأخراً وإلغاءً للرحلات في البلاد مؤخرًا.
وبدأت الإدارة هذا الأسبوع اجتماعات مع جميع شركات الطيران العاملة في نيوارك لمناقشة خطة مؤقتة تقضي بالإبقاء على سقف العمليات عند 28 عملية إقلاع وهبوط في الساعة حتى منتصف يونيو/حزيران على الأقل، على أن يتم رفع الحد الأقصى إلى 34 عملية إذا تم الانتهاء من مشروع صيانة المدرج المقرر وعودة المراقبين من إجازاتهم.
وفي غضون ذلك، ستضطر شركات الطيران إلى تقليص جداول رحلاتها اليومية، نظرًا لعدم قدرة المطار على التعامل مع الحركة الجوية المعتادة. وستُمنح الشركات حتى 28 مايو/ أيار لتقديم خططها خطيًا، ولن يصدر قرار نهائي قبل ذلك التاريخ.
الإصلاحات الفنية
أما على صعيد الإصلاحات الفنية، فقد نجحت إدارة الطيران في تركيب خطوط ألياف بصرية جديدة في مطارات نيوارك، كينيدي، ولا غوارديا، لكن هذه الخطوط لا تزال قيد الاختبار ولن تدخل الخدمة قبل نهاية مايو/أيار. وتم تحديث بعض البرمجيات الأسبوع الماضي، مما حال دون انقطاع الرادار مرة ثالثة عندما فشلت الخطوط الأساسية مجددًا يوم الأحد الماضي.
وفي خطوة طويلة الأجل، تخطط الإدارة لبناء نظام رادار مستقل في فيلادلفيا لتقليل الاعتماد على الإشارات القادمة من نيويورك، لكن المشروع لن يكتمل قبل عدة أشهر، رغم محاولات تسريع التنفيذ.
وتأتي هذه الأزمة وسط تركيز عام متزايد على سلامة الطيران، خاصة بعد حادث تصادم مميت بين طائرة ركاب ومروحية تابعة للجيش الأمريكي فوق العاصمة واشنطن في يناير/كانون الثاني، وحوادث أخرى لاحقة أثارت مخاوف بشأن كفاءة نظام المراقبة الجوية.
ويُعد توظيف مراقبين جدد تحديًا كبيرًا بسبب الضغط النفسي العالي المرتبط بالمهنة، وصعوبة العثور على مرشحين مناسبين، وطول فترة التدريب التي قد تمتد لسنوات. تحاول إدارة الطيران تسريع عملية التوظيف من خلال تقليص الوقت بين التقديم والالتحاق بالأكاديمية في أوكلاهوما، وتحسين نسب التخرج بتقديم دعم إضافي للمتدربين، مع إعطاء أولوية للمرشحين الحاصلين على أعلى الدرجات. كما تقدم الإدارة مكافآت للمراقبين ذوي الخبرة الذين يؤجلون تقاعدهم للمساعدة في تخفيف النقص.
كما قامت الإدارة بتوفير أكثر من 100 جهاز محاكاة متطور، منها أجهزة في مطار نيوارك، لتسريع وتأهيل المتدربين بشكل أكثر كفاءة. وتشير البيانات إلى أن المتدربين ينجزون مراحل التأهيل بشكل أسرع عند استخدام هذه المحاكيات.
لكن المشكلة الأكبر تظل في البنية التحتية التقنية المتقادمة. وتعتزم وزارة النقل طلب عشرات المليارات من الدولارات من الكونغرس لتحديث نظام مراقبة الحركة الجوية على المستوى الوطني، بما يشمل استبدال 618 رادارًا قديمًا، وتثبيت 4600 خط اتصال عالي السرعة، وتحديث جميع أنظمة الحواسيب التي يستخدمها المراقبون.
ووجه وزير النقل شون دافي انتقادات لإدارة الرئيس بايدن السابقة، متهماً إياها بعدم تنفيذ تحديثات كافية، رغم أن جذور المشكلة تعود إلى عقود ماضية منذ تسعينيات القرن الماضي. وقد دافع بيت بوتيجيج، وزير النقل في عهد بايدن، عن جهود إدارته في تحديث بعض الأنظمة وزيادة التوظيف، إلا أن حجم المشكلة يتطلب استثمارات ضخمة وسنوات من العمل.
وخلال مؤتمر صحفي مؤخراً، عُرضت بعض المعدات القديمة المستخدمة حاليًا في أنظمة المراقبة، حيث وصفها الوزير دافي بأنها تبدو وكأنها من فيلم “أبولو 13″، وشبهها بسيارة فولكسفاغن بيتل من عام 1967.
ويحظى مشروع التحديث بدعم أكثر من 50 جهة عاملة في قطاع الطيران، إلا أن تطبيقه الكامل لا يزال مرهونًا بموافقة الكونغرس على الميزانية الضخمة. وحتى ذلك الحين، ستظل مطارات مثل نيوارك عرضة للفوضى في ظل نظام يعاني من ضغط شديد ونقص في الكوادر والمعدات.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز