عودة التجنيد الإجباري.. وزير الدفاع الألماني يحدد الموعد والشروط
في ظل بيئة أمنية أوروبية متوترة ومخاوف متزايدة من اتساع رقعة المواجهة مع روسيا، تقترب ألمانيا من اتخاذ قرار تاريخي بإعادة فرض التجنيد الإجباري بعد أكثر من 14 عاما على إلغائه، في تحول قد يعيد تشكيل العقيدة الدفاعية للبلاد بشكل جذري.
وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس صرّح، السبت، بأن بلاده قد تبدأ اعتبارًا من العام المقبل تطبيق نظام تجنيد جديد إذا لم تفلح الجهود الحالية في جذب أعداد كافية من المتطوعين للالتحاق بالجيش الألماني.
- استطلاع: تأييد ألماني لعودة التجنيد الإجباري بعد 12 عاما من الإلغاء
وقال بيستوريوس في مقابلة مع صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» إن «النموذج المعتمد حاليًا يقوم على المشاركة الطوعية، لكن إذا تجاوزت احتياجاتنا عدد المتطوعين المسجلين، فسنتجه إلى خيار الخدمة الإلزامية».
ويأتي هذا التصريح في توقيت حساس، إذ تسعى ألمانيا، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا وركيزة أساسية في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، إلى تعزيز قوتها العسكرية بشكل غير مسبوق منذ عقود، خاصة بعد العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا في 2022 والذي قلب الحسابات الاستراتيجية في القارة رأسًا على عقب.
الجيش يعاني من النقص
وتشير بيانات الجيش الألماني إلى حاجة ماسة إلى نحو 100 ألف جندي إضافي في السنوات المقبلة لسد الفجوة القائمة في البنية الدفاعية، ما يمثل تحديًا كبيرًا في ضوء عزوف الأجيال الشابة عن الانخراط في العمل العسكري، وعدم قدرة نظام التجنيد الطوعي على تلبية المتطلبات المتزايدة.
وكانت ألمانيا قد ألغت التجنيد الإجباري في 2011 ضمن خطوات لإعادة هيكلة جيشها وتحويله إلى قوة مهنية محترفة، متأثرة بمفاهيم ما بعد الحرب الباردة. غير أن التحديات الراهنة أعادت إحياء الدعوات لعودة الخدمة الإلزامية، وسط إدراك متزايد بأن الدفاع الوطني لم يعد ترفًا بل ضرورة وجودية.
تأييد شعبي متزايد
اللافت أن المزاج الشعبي الألماني بدأ يميل مؤخرًا لصالح إعادة التجنيد. فقد أظهر استطلاع أجرته شركة «إبسوس» في مارس/آذار 2023 أن 61% من الألمان يؤيدون العودة إلى نظام الخدمة الإلزامية، في مقابل 29% فقط يرفضونها. هذا التحول يعكس إدراكًا عامًا للمخاطر الأمنية التي تتهدد أوروبا، ويكشف عن استعداد شعبي لتحمل مسؤوليات الدفاع الوطني.
سياسيون كبار في برلين، بمن فيهم أعضاء في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي إليه المستشار أولاف شولتز، عبّروا عن دعمهم لإعادة التجنيد، رغم أن شولتز نفسه عبّر سابقًا عن تحفظه على الخطوة. ويرى مؤيدو الخدمة الإلزامية أنها لا تُسهم فقط في تعزيز القدرات الدفاعية، بل تُعزز أيضًا من تماسك المجتمع وتعيد ربط الجيش بالسكان، خاصة بعد عقود من التركيز على المهنية والاحتراف.
ألمانيا تلحق بأوروبا
ألمانيا ليست الدولة الوحيدة التي تعيد النظر في خياراتها الدفاعية. فبعد ضم روسيا للقرم عام 2014، بدأت عدة دول أوروبية في العودة إلى التجنيد الإجباري أو تطوير نماذج هجينة تجمع بين الطوعية والإلزام.
السويد أعادت التجنيد في 2017، ولحق بها كل من ليتوانيا ولاتفيا والنرويج، حيث أصبح يُطلب من الذكور والإناث على حد سواء أداء الخدمة العسكرية.
ويبدو أن السياق الجيوسياسي يفرض على ألمانيا الانخراط في هذا المسار، حيث لا يكفي الاعتماد على القدرات التقنية والتسلح المتطور دون قاعدة بشرية واسعة ومُدربة يمكن تعبئتها في حالات الطوارئ أو النزاعات الممتدة.
نقلة استراتيجية أم عودة للخلف؟
رغم الترحيب الذي لقيه تصريح وزير الدفاع، إلا أن إعادة التجنيد الإجباري ستثير حتمًا جدلاً واسعًا داخل ألمانيا، دولة لا تزال تعيش في ظل ماضيها العسكري المعقّد. فالخوف من عسكرة المجتمع، والهاجس التاريخي من الانزلاق نحو قومية عسكرية مفرطة، سيشكلان جزءًا من معادلة النقاش العام والسياسي.
لكن الواقع يُملي ضرورة المراجعة. فالحرب في أوكرانيا وما تبعها من تغييرات هيكلية في أمن أوروبا، دفعت ألمانيا إلى كسر العديد من المحرّمات: بدءًا من تمويل غير مسبوق للجيش بقيمة 100 مليار يورو، ووصولًا إلى مناقشة إعادة التجنيد الإجباري، وهو ما كان يُعد ضربًا من المستحيل قبل سنوات قليلة فقط.
ووفق الصحيفة فإن قرار برلين المضي قدمًا في إعادة فرض التجنيد الإجباري، سيعلن دخول ألمانيا عهدًا جديدًا من الانخراط العسكري والسياسي في محيطها الأوروبي والدولي، بما يتناسب مع مكانتها وقدراتها، وبما يواكب المخاطر المتزايدة في شرق القارة.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز