اقتصاد

سباق نووي ثلاثي.. أمريكا أمام تحد وجودي يطرق أبواب الردع


في سابقة خطيرة منذ انتهاء الحرب الباردة، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام لحظة استراتيجية مفصلية: سباق تسلّح نووي ثلاثي تتصدره موسكو وبكين إلى جانب واشنطن.

هذه المرحلة الجديدة لا تُملي فقط مراجعة العقائد النووية، بل تضع منظومة القيادة والسيطرة الأمريكية تحت اختبار وجودي قاسٍ، وسط تزايد سيناريوهات الضربة القاضية التي تستهدف رأس الدولة ومراكز القيادة الحساسة.

  • الاستراتيجية الدفاعية البريطانية.. استعداد للحرب وتعزيز الردع النووي
  • من «الاستنزاف» إلى «النووي».. احتمالات الرد على «بيرل هاربر روسيا»

وبحسب تحليل لإريك إيدلمان، نائب رئيس لجنة استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية، لـ«فورين بوليسي»، فإن تسارع التطورات في الترسانات النووية الصينية والروسية لم يعُد مسألة تحليل افتراضي. بل بات يشكّل مشهدًا استراتيجيًا جديدًا غير مسبوق منذ بزوغ العصر النووي.

فبينما كانت معادلة الردع خلال الحرب الباردة تقوم على ثنائية التوازن، تدخل واشنطن اليوم حلبة صراع ثلاثية، دون عقيدة شاملة أو جاهزية تشغيلية كافية لمجابهة تهديدين نوويين متزامنين.

أزمة الردع 

التحدي المركزي يكمن في ما يُعرف داخل الدوائر الاستراتيجية بـ«مشكلة الأجسام الثلاثة»: كيف يمكن لدولة نووية واحدة أن تردع قوتين نوويتين متطورتين ومتعاونتين؟ الصين التي كانت تُعد لعقود قوة نووية محدودة، تضاعف حجم ترسانتها في أقل من عشر سنوات، وباتت تملك ما يُقدّر بنحو 600 رأس نووي، في طريقها لتجاوز الألف قبل عام 2030.

أما روسيا، فترسانتها مستمرة في التحديث، مع تركيز خاص على الأسلحة الفرط صوتية وقدرات تعطيل الأقمار الصناعية.

ما يفاقم التحدي هو التنسيق العسكري الصيني الروسي. فالتدريبات الجوية المشتركة بين القاذفات الاستراتيجية قرب ألاسكا، ليست استعراض قوة فقط، بل رسالة استراتيجية توحي بإمكانية التعاون على تنفيذ ضربات مشتركة، بما فيها ضربات «قطع الرأس» التي تستهدف البنية التحتية القيادية والاتصالية للولايات المتحدة.

هشاشة منظومة القيادة والسيطرة

ورغم أن منظومة القيادة والسيطرة النووية (NC3) هي العمود الفقري لأي استراتيجية ردع. غير أن ثغراتها البنيوية، وتأخر تحديثها، تجعلها في مرمى الضربات الإلكترونية، أو حتى الهجمات المباشرة، وفق التحليل.  

فكلا من روسيا والصين تمتلكان اليوم قدرات لإصابة هذه المنظومة، من خلال أسلحة مضادة للأقمار الصناعية، وهجمات سيبرانية متقدمة، وأسلحة فرط صوتية قادرة على الالتفاف على الدرع الصاروخي الأمريكي.

وفي حالة تعرض هذه المنظومة لعطب، يفقد الرئيس الأمريكي القدرة على إصدار أوامر الردع، مما يجعل سيناريو الضربة القاضية ممكنًا، إن لم يكن مرجّحًا في حالة تصعيد مفاجئ.

وهي مخاطر كانت قد تراجعت نظريًا منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أن المعادلة تغيرت جوهريًا، كما بيّنت لجنة التقييم الاستراتيجي التي شكّلها الكونغرس عام 2023.

اختلال التوازن في الفضاء

تزايدت المؤشرات على أن الفضاء لم يعد حيزًا سلمياً. فمنذ اختبار الصين عام 2021 لنظام قصف مداري جزئي يمكنه تنفيذ ضربات نووية دون إنذار، تكثف بكين جهودها لوضع بنية هجومية فضائية معقدة، تتضمن أقمارًا صناعية قادرة على تعطيل أو تدمير الأصول الأمريكية في المدار.

في المقابل، واصلت روسيا تطوير قدراتها المضادة للأقمار الصناعية، وأعاقت جهودًا أممية لتجديد حظر استخدام الأسلحة النووية في الفضاء، مما يؤشر على نواياها المستقبلية.

كل هذا يدفع بالمواجهة نحو أبعاد غير تقليدية، ويضع تحديًا جديدًا أمام واشنطن في مجال حماية البنية التحتية الفضائية، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من منظومة القيادة النووية.

فجوات التحديث.. وإرث الإهمال

ورغم إدراك واشنطن المتأخر لحجم الخطر، فإن فجوة التحديث لا تزال واسعة. فالجهود الجارية لتحديث الأسطول الجوي للطائرات الرئاسية للطوارئ (E-4B) ومركبات البحرية (TACAMO)، رغم أهميتها، تصطدم بتحديات تمويلية وزمنية.

ومن المتوقع أن تستمر حتى منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، وهو أفق زمني قد يكون متأخرًا جدًا أمام تسارع التهديدات.

أما برامج استمرارية الحكومة والقيادة (COOP/COG) التي ازدهرت في زمن الحرب الباردة، فقد أهملت إلى حدّ خطير.

صحيح أنها أعيد إحياؤها مؤقتًا بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، لكن لم يتم دمجها بفعالية مع سيناريوهات الردع النووي الحديث، الذي يفترض استهدافًا مباشرًا للرئيس الأمريكي وقياداته العليا.

سباق بلا خطة متماسكة

وخلص إلى أن السباق نحو التسلح النووي الجديد لا يترك مجالًا للتراخي السياسي أو التباطؤ البيروقراطي بل يتعين على صناع القرار الأمريكيين استيعاب أن توازن الردع لم يعد ثنائيًا، وأن القدرات النووية لا تضمن الردع ما لم تكن مؤطرة بمنظومة قيادة وسيطرة محمية، مرنة، وقادرة على اتخاذ قرارات سريعة في ظلّ الفوضى.

إن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في مواجهة رؤوس نووية جديدة، بل في ضمان أن تبقى واشنطن قادرة على الردّ، وأن يبقى ردّها مقنعًا وقادرًا على ردع أي تفكير في مغامرة نووية، كما لخّص وزير الدفاع السابق آشتون كارتر: «لا معنى لأي استراتيجية دون قيادة تستطيع اتخاذ القرار وتنفيذ الأمر».

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى